غيّر مخيم جنين في الضفة الغربية، قواعد الاشتباك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، متحولاً من حالة الدفاع إلى الهجوم، حيث لم ينجح الجنود باقتحام المخيم، وبقيت المعركة على أطرافه مستمرة نحو 12 ساعة، استغرق الاحتلال منها ثماني ساعات لإخلاء جنوده المصابين ومصفحاته وآلياته، التي أعطبتها العبوات المتفجرة تحت رصاص المقاومة.
وأطلقت كتيبة جنين التابعة لـ"سرايا القدس" على العملية التي تصدت بها لقوات الاحتلال اسم "بأس الأحرار"، وأدت لاستشهاد خمسة مواطنين، منهم الطفل أحمد صقر (15 عاماً)، واثنان من المقاومين في الكتيبة، وهما قيس مجدي جبارين (21 عاماً)، وقسّام فيصل أبو سرية (29 عاماً)، وإصابة 91 آخرين بجروح بالرصاص، بينهم صحافي، منهم 23 بحالة خطرة، فيما أدت لإصابة ثمانية جنود للاحتلال، وتدمير خمس آليات عسكرية إسرائيلية، حسب ما نشرته "يديعوت أحرنوت".
واقتحمت القوات الخاصة الإسرائيلية أطراف مخيم جنين نحو الرابعة والنصف فجراً، لاعتقال مطلوبين قالت إنهم يقفون وراء عمليات إطلاق نار على المستوطنين، وبعد لحظات من انكشاف أمر القوة الخاصة دوّت صفارات الإنذار في كل أرجاء المخيم، ليستمر الاشتباك مع الاحتلال حتى الثالثة والنصف من بعد الظهر.


يقظة المقاومة
يقول أمين سر حركة "فتح" في جنين عطا أبو رميلة: "بعد لحظات من اكتشاف أمر القوة الخاصة التي استخدمت مركبات بلوحات تسجيل فلسطينية للدخول لأطراف المخيم، بدأ الاشتباك بين المقاومين والجنود".
وتابع أبو رميلة: "شبكة الاتصالات والتجهيزات التي ترصد الاحتلال في محافظة جنين، إضافة ليقظة المقاومين وبسالتهم أفشلت عملية اقتحام المخيم اليوم، وأربكت الاحتلال وأوقعت في صفوفه الخسائر".
وأضاف: "المقاومة رصدت إصابة سبعة جنود على الأقل منذ الصباح، إلى جانب تدمير خمس آليات عسكرية إسرائيلية على أطراف المخيم عبر كمائن أعدتها المقاومة".
وأكد أبو رميلة أن "الاحتلال لم يتقدم متراً واحداً داخل مخيم جنين، والتعزيزات التي جرى إحضارها من آليات عسكرية دُمّرت أجزاء كبيرة منها بالعبوات المتفجرة على أطراف المخيم وليس في داخله".
ويرى أبو رميلة أن "الاحتلال يهدد منذ شهور عدة بعملية واسعة لشمال الضفة الغربية ستتركز في جنين، وكان هدف الاجتياح هذا اليوم، هو القيام بمجزرة في المخيم، لكن يقظة المقاومة حالت دون ذلك، وتحول المخيم من حالة الدفاع إلى الهجوم".
وقامت المقاومة في جنين بإعداد الكمائن باستخدام العبوات المتفجرة لقوات الاحتلال في أكثر من مكان في محيط المخيم، ما تسبب بتدمير وإعطاب آليات عسكرية إسرائيلية وحصارها من المقاومة، ما شكّل عنصر مفاجأة للاحتلال الذي لم يعتد على هذا التكتيك مسبقاً.
وأعلن الاحتلال الإسرائيلي أن المقاومة في جنين قامت بتفجير ناقلة جنود مصفحة تُدعى "الفهد"، وهي مصفحة ضد الرصاص والعبوات الناسفة الصغيرة، وقام الاحتلال بتطوير دفاعاتها ضد العبوات الناسفة مطلع العام الحالي، لكن المقاومة استهدفتها بعبوات شديدة الانفجار أطلقت عليها "التامر"، نسبة إلى الشهيد تامر عزمي النشرتي، أحد عناصر وحدة الهندسة في "كتيبة جنين" التابعة لسرايا القدس الذي استشهد يوم 19 ديسمبر الماضي، خلال انفجار عرضي لعبوة كان يقوم بإعدادها في المخيم.
وحسب كتيبة جنين، فقد أعلنت تفجير عبوات "التامر"، المعدة مسبقاً، في أولى المركبات العسكرية على حسابها على "تليغرام" في تمام الساعة 7:47 دقيقة صباحاً، وأعلنت تفجير ناقلة الجنود "الفهد" في الساعة 8:11 دقيقة صباحاً، وأعلن الاحتلال الإسرائيلي إخلاءها من محيط المخيم في تمام الساعة 3:33 دقيقة بعد الظهر.


نقطة تحول
ويعلّق الخبير في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد أن "ما جرى في جنين اليوم هو نقطة تحوّل في أكثر من اتجاه، ورصد الخبراء العسكريون الإسرائيليون مجموعة من النقاط اللافتة غير المسبوقة في اقتحام مخيم جنين اليوم".
وتابع شديد: "إسرائيل تعتقد أن جزءاً من هذه التفجيرات جرت بناء على معرفة مسبقة بحركة دخول جيش الاحتلال وخروجه، ما يفتح المجال للتساؤل هل هو اختراق عملاء أم لدى المقاومة الفلسطينية منظومة تسمع ما يجري من اتصالات بين الجنود".
 وينوّه شديد بأن "هذا التساؤل يعود لأن الطريق الذي دخلت منه قوات الاحتلال ليس هو ذاته الذي تستخدمه للخروج، كما جرت العادة ونصب الكمائن في الطريق أثار هذا التساؤل".
وتابع شديد: "هناك أمر لافت يتعلق بنوعية وقوة المتفجرات التي استخدمها المقاومون، وهذا ذكّر القادة العسكريين الإسرائيليين بمرحلة ما قبل الانسحاب من لبنان، ما يدفع إسرائيل لاتهام حزب الله بأن بصماته في المكان، أي في مخيم جنين، فهناك جهد خارجي واضح من حيث الخبرة ونوعية السلاح وغيرها من الأمور".
وأضاف شديد: "إحدى النقاط اللافتة أيضاً هى استخدام الطائرات الإسرائيلية البالونات الحرارية، رداً على استخدام صواريخ الدفاع الجوي، ورغم أن إسرائيل قالت: (الدفاعات الجوية قد تكون قد استخدمت)، وربما يأتي عدم التأكيد خوفاً على معنويات جنودها، لكن لو تأكد استخدامها في مخيم جنين اليوم فإن هذا يعتبر تحولاً نوعياً ومذهلاً للمقاومة في المخيم، لأن هذه المنظومة من الدفاعات الجوية ضد الطائرات تستخدمها المقاومة في قطاع غزة، ولم يُسجل وجودها في الضفة الغربية".
وقال شديد: "أخيراً، فإن استمرارية الاشتباك من قبل المقاومة حتى بعد قيامها بتفجير العبوات المتفجرة في مصفحة (الفهد) ولساعات عدة، وحصارهم الجنود داخل الكتل الحديدية، له أثر كبير في معنويات الجنود، وسيكون هذا الأمر هو موضوع النقاش في المجتمع الإسرائيلي الذي سيذكّر بالنقاش الذي اندلع ما قبل الهرب الإسرائيلي من لبنان، حيث لم يجدوا من يفاوضونه حينها، فآثروا الهرب".