رصدت ورقة بحثية لموقع "الشارع السياسي Political Street" أبرز التحفظات على مشروع  تعديلات القانون رقم 30 لسنة 1975، الذي يستهدف به عبدالفتاح خصخصة قناة السويس، وهي التعديلات التي وجدت رفضا شعبيا عارما وأصدرت معظم الأحزاب السياسية بيانات تدين مشروع التعديلات.

وأشارت الورقة إلى أن بيانات القوى السياسية اعتبرت التعديلات التي مررتها الحكومة والبرلمان على نحو عاجل بضغوط من السيسي ودائرته المقربة، بإنشاء صندوق تابع لها، ومنحه سلطة تأسيس الشركات مع الغير، والاستثمار في الأوراق المالية، وشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصولها الثابتة والمنقولة والانتفاع بها، بما يسير إلى خصخصتها.



المخفي والمعلن
وأشارت إلى أن أول التحفظات أن للمشروع جانبين مخفي وهدف معلن وهو استثمار أصول الهيئة، وتنمية فوائضها المالية، لكن هذه العبارات المنمقة تخفي وراءها المآرب الحقيقية للتعديلات التي تفتح  بابا للفساد، وتزيد معاناة الاقتصاد الجريح، وتعمق اختلالاته الهيكلية التي بدأت مع إنشاء الصناديق الخاصة المريرة.

ولفتت ضمنا إلى أن الصندوق الجديد ثغرة خطيرة يمكن أن تؤول في نهاية المطاف إلى فقدان الدولة السيطرة على المرفق الأهم في البلاد، وهو قناة السويس التي بذل الشعب العرق والدم وكثيرا من التضحيات في سبيل إنشائها، واستردادها، والمحافظة عليها، بعد عقود طويلة من الاحتلال.

وأستندت الورقة إلى بيانات الأحزاب السياسية التي نبهت إلى أن التعديلات خطر داهم على مصر، يعيد مآسي تجربة الصناديق السيادية والخاصة البعيدة عن رقابة السلطة التشريعية، وهذا الصندوق المقترح لهيئة قناة السويس ما هو إلا ستار لخصخصة ملكية قناة السويس جزئياً أو كلياً.

وانصبت الانتقادات على نص المادة 15 مكرراً (3) في التعديلات المطروحة التي  اعتبرت الصندوق أحد أشخاص القانون الخاص، وبهذا تنزع عن قناة السويس أو النسبة التي تساهم بها -وهي غير محددة وقابلة للزيادة بقرارات إدارية- صفة المال العام، وذلك تيسيراً لإجراءات الخصخصة والبيع، كما حدث في السابق مع شركات القطاع العام.

وأضافت أن وصف الصندوق "بالخاص" وتحت الإشراف المباشر لرئيس الجمهورية، يخرجه وتصرفاته من ولاية السلطة القضائية باعتباره ليس قراراً إدارياً قابلاً للطعن أمام القضاء.


الأمن القومي

وأشارت الورقة البحثية التي جاءت بعنوان "مشروع  تعديلات القانون رقم 30 لسنة 1975.. سيناريوهات السيسي نحو خصخصة قناة السويس" إلى أن، عامل التوقيت الغامض من جانب تزامن التعديلات مع المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، وكون الصندوق وكيلاً للدائنين الذين يريدون ضماناً لديونهم برهن الأصول المصرية.

وأوضحت أن التعديلات تنذر بتغييرات مخيفة تمس الأمن القومي المصري، لا سيما مع تفريط السلطة سابقاً في جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، بكل ما تمثله من قيمة استراتيجية مهمة للأمن القومي، ومكانة مصر الجيوستراتيجية في الإقليم والعالم"، والأهم أن مشروع قانون التعديلات على هذا النحو  يناقض تماما ما نص عليه الدستور في المادة "43" بضرورة حماية القناة وتنميتها، والحفاظ عليها باعتبارها ممرا مائيا دوليا مملوكا لها، كما تلتزم بتنمية قطاع القناة، باعتبارها مركزا اقتصاديا متميزا.


تحت الرهن

وعن ثالث التحفظات، كان يتمثل في المادة التي تقضي باستخدام أموال قناة السويس في مجابهة الأزمات والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة أية ظروف استثنائية، أو قوة قاهرة، أو سوء في الأحوال الاقتصادية، لأن الإدارة غير الرشيدة للاقتصاد الوطني تمهد إلى أزمات اقتصادية أكثر عنفاً في المستقبل القريب.

وأوضحت أن الغرض الحقيقي لهذه التعديلات قد يكون للاستدانة بضمان أصول الهيئة، ومن ثم اللجوء لتوريطها وطرحها في البورصات العالمية إن عجزت الدولة عن سداد ديونها في أي وقت، وهي مقامرة غير مقبولة بثروات الوطن، واستخفاف مرفوض بتاريخ المصريين وتضحياتهم العظيمة في سبيل أن تظل قناة السويس مصرية خالصة.



الإخلال بالموزانة

وأبانت رابعا أن الصندوق يخل بوحدة الموازنة العامة، التي من المفترض أن تشمل جميع إيرادات الدولة، وتتصرف فيها على نحو كلي في تنظيم الإنفاق والاستهلاك والاستثمار كوحدة واحدة تحت سيادة الدولة، وسلطتها التشريعية، مع توافر العلنية التي تيح الرقابة الشعبية على هذه الممارسات، بخلاف ما يحدث مع أموال الصناديق الخاصة، وبالتالي يتعين على الحكومة سحب مشروع التعديلات فورا؛ فالقناة ليست ملكا للسلطة أو الحكومة ومالكها الحصري هو الشعب المصري، وحتى تصريحات رئيس الحكومة مصطفى مدبولي التي يدعي فيها أن الصندوق المقترح سيخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، لكن ديباجة مشروع قانون التعديلات نص على خضوعه للتدقيق المحاسبي دون أن يحدد إن كانت الجهة الرقابية عامة كالجهاز المركزي  أو شركة خاصة.


إفراط في الاستدانة

أما خامس التحفظات فتستند إلى المخاوف الشعبية من إفراط الحكومة بشدة في الاستدانة من الخارج، وتخصيص أموال الديون في تطوير المرافق والبنية التحتية التي لا تدر عائداً إنتاجياً، وبالتالي وضعت البلاد تحت خطر المضطر للخضوع لشروط الدائنين في خصخصة أصول الدولة، بحسب ما ورد في وثيقة ملكية الدولة.

واعتبتر أن تمرير تعديلات القانون بصورتها الحالية هو إفراغ للحوار الوطني من مضمونه الرئيسي، لأن قناة السويس هي الرمز التاريخي لاستقلال وسيادة مصر، ودفعت ثمناً غالياً في حفرها.

وأشارت بحسب بيانات الأحزاب إلى إصرار الانقلاب وجرأته في اتخاذ مثل هذه الخطوات، يبرهن على أن الهدف من الحوار الوطني هو أن يتحول إلى ستار  لتمرير مخططات الحكومة حول الخصخصة والتوسع في الاستدانة، لافتة إلى "بيان حركة الاشتراكيين الثوريين" الذي طالب "القوى المدنية" بمراجعة مواقفها فورا فيما يتعلق بالحوار بعد تخلى النظام عن تيران وصنافير والسعي حاليًا إلى إعادة القناة للأجانب، مع نفس السياسات الاستبدادية والاقتصادية الكارثية، مضيفا أن الحوار "تجميل وجهه أمام المؤسسات الدولية".



إهدار الخديوية

وقرنت الورقة في سادس تحفظاتها بين ما يفعله السيسي وما فعله الخديوي إسماعيل من إهدار أموال الدولة  بشدة على البذخ والترف والقصور الفخمة والتبذير على مشروعات لا تحظى بالأولوية؛ ما أدى في النهاية إلى سقوط مصر في العبودية المالية للدائنين والمرابين الأجانب، وتكتمل المشابهة إلى حد التطابق باقتراب نظام السيسي من خصخصة قناة السويس، ليستنسخ مسألة بيع الخديوي إسماعيل حصة مصر في أسهم القناة من أجل سداد ديون الدولة، الأمر الذي كلف البلاد فقدان سيادتها السياسية بعد فقدان سيادتها الاقتصادية.


وضع شاذ

الأخطر في الأمر أن الصندوق تأسس بالفعل قبل سنتين بأوامر مباشرة من السيسي نفسه، وهو ما عدته الورقة سابع التحفظات، مشيرة إلى أن موافقة البرلمان على مشروع التعديلات ليس تأسيسا  للصندوق بل هو قائم بالفعل بالمخالفة للقانون، وما يجري هو مجرد عملية تقنين لوضع شاذا ومخالف للدستور والقانون بما يضمن وضع صلاحيات جديد للصندوق تمثل ثغرة نحو خصخصة القناة ومرافقها وشركاتها.

وأكدت أن السيسي اعترف بذلك في تصريحات خلال المؤتمر الاقتصادي في 25 أكتوبر 2022 حين قال: "هيئة قناة السويس اعتادت أن توجه دخلها إلى الموازنة العامة ووزارة المالية فقط، وعندما سألت رئيس الهيئة عما تملكه من أموال، قال لي: لا توجد أموال؛ قلت له: كيف مؤسسة عملاقة مثل الهيئة لا يكون لها ملاءة مالية بقيمة 300 أو 400 مليار جنيه؟!.

وأضاف السيسي في كلمته: "وجهت رئيس الهيئة بإنشاء صندوق إيرادات لها مع العمل على تنميتها، وعدم إنفاق أي شيء منه إلا بعد العودة لي شخصياً، وعدم تحويل أي أموال من الهيئة مرة أخرى إلى وزارة المالية، لأن هذا المسار لا يحقق النجاح، أنا أترك كل مسؤول يطحن نفسه من أجل تدبير الأموال اللازمة للتمويل، وصندوق الهيئة به الآن 80 مليار جنيه، ومن المتوقع أن يصل إلى 300 أو 400 مليار جنيه خلال 4 سنوات".

وعلقت على حديث السيسي أنه يُفهم منه أن الصندوق شُكِّل بالفعل، وهو ما يُدعم إلى حد كبير مخاوف الرافضين من المشروع في ابتلاع الصندوق الجديد جزءًا كبيرًا من إيرادات القناة، بما يساهم في تفاقم أزمة نقص الموارد الدولارية للبلاد وعجز الموازنة العامة من ناحية، وسيطرة الشركاء الأجانب عليها دون مراعاة لرمزية وضع القناة عند المصريين، ورفضهم لتملك الأجانب أصولها على غرار أراضي سيناء.



نسب بالمزاج

وأوضحت الورقة ثامنا، أن مشروع التعديلات لم يحدد النسبة المستقطعة من أرباح القناة لحساب الصندوق لاستثمارها وتحقيق عوائد منها لاستخدامها في حالة الطوارئ أو عند تطوير القناة حسب نص التعديلات.

وأضافت أن "مشروع التعديلات صيغ  بعبارات مطاطة لم تحدد نسبة محددة يتم اقتطاعها من إيرادات القناة أو فوائضها لصالح الصندوق الجديد، فضلًا عن أنه لم يحظر تملك الأجانب أيًا من أصول القناة، كما هو الحال في قانون حظر تملك الأجانب لأراضي سيناء مثلًا".