يعتبر 2022 هو العام الأسوأ في تاريخ الجنيه المصري بعد أن عصف به خلال تعويمين، مقابل العملات الأجنبية، وخصوصا الدولار ليخسر أكثر من 60 بالمئة في البنوك المحلية و110 في السوق السوداء لتبلغ قيمته أمام الدولار في السوق السوداء نحو 37 جنيه بعدما بلغ مطلع هذا العام 15.65، ليسجل أسوأ انهيار في تاريخه.
العملة المصرية تنضم لقائمة أسوأ 10 عملات عالميا
في تقرير أعده ستيف هانكي، أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة “جونز هوبكنز”، قال فيه إنه مع استمرار تراجع الجنيه، انضم إلى قائمة أسوأ 10 عملات أداء في عام 2022، بعد أن انخفض إلى مستويات قياسية وتراجع إلى 24.70 جنيها أمام الدولار نتيجة تدهور وضع السيولة الخارجية، وتراكم الالتزامات الخارجية، وتدهور وضع الاحتياطي النقدي.
من جهته انخفض سعر الجنيه المصري مقابل الدولار الأسبوع الماضي إلى مستوى منخفض جديد، وتراجع إلى 24.42، ليشق طريقه إلى قائمة هانكي لأسوأ 10 عملات أداءً في عام 2022.
بدورها، خفضت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية مؤخراً التوقعات الائتمانية للبلاد إلى سلبية، مستشهدة بتدهور مركز السيولة الخارجية، وخطر تضاؤل الوصول إلى سوق السندات. في غضون ذلك، استنزف احتياطي النقد الأجنبي في مصر إلى أقل من 32 مليار دولار في تشرين الأول من 35 مليار دولار في آذار.
وأوضحت وكالة فيتش أن مشاكل التمويل في مصر تتفاقم بسبب 6 مليارات دولار من آجال استحقاق الديون الخارجية الآتية العام المقبل و9 مليارات دولار أخرى في عام 2024.
وقال المتداول في AZA Finance، ميتش ديدريك: على الرغم من الصفقات المالية التي تم الإعلان عنها في مؤتمر COP27 بشرم الشيخ هذا الأسبوع، فمن المرجح أن يؤدي استمرار تخارج المستثمرين بشكل عام إلى زيادة ضعف الجنيه المصري أمام الدولار في الأيام المقبلة.
وتشمل العملات الأخرى المدرجة في القائمة حتى الأسبوع الماضي الروبية السريلانكية والبوليفار الفنزويلي وليون سيراليون وكيات الميانماري والكيب اللاوسي والهريفنيا الأوكرانية.
رحلة هبوط الجنيه في 2022
بدأ هبوط الجنيه في شهر مارس بأكثر من 15% وفقدانه جنيهين ونصف الجنيه ليصل 18.30 جنيها للدولار بدلا من 15.63 وسط أجواء مضطربة وهروب الاستثمارات التي فرت على عجل من الأزمة المالية التي لاحت بوادرها مبكرا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا ما شكل ضغطا جديدا ومستمرا على العملة المحلية.
ودخلت مصر في ذات الشهر في مفاوضات معقدة مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل وقرض جديد يساعدها في استعادة ثقة المستثمرين، ويفتح الباب لها لدخول أسواق الدين الدولية، ولكن مصر كانت قد استنفدت المقررات الخاصة بها بعد أن حصلت على أكثر من قرض وتمويل دون أن يؤدي ذلك إلى نتائج إيجابية ويوقف نزيف الاقتراض.
وبعد انتهاء مارس الماضي ظل الجنيه يفقد وزنه بشكل تدريجي من 18.30 جنيها للدولار حتى وصل إلى 19.70 جنيها في البنك المركزي ولكنه تجاوز هذا الرقم بنحو 15% في السوق السوداء، وسط إقبال كبير على العملة الأجنبية.
وتحت ضغوط صندوق النقد الدولي واستمرار عزوف المستثمرين الأجانب وتراجع دعم الدول الخليجية قررت الحكومة المصرية اتخاذ خطوة أكثر قسوة في نهاية أكتوبر الماضي ورفعت العائد على الفائدة 200 نقطة (2%) مجددا، وسمحت بهبوط الجنيه مجددا إلى أكثر من 22 جنيها للدولار حتى وصل إلى 24.74 جنيها ليهبط مرة أخرى بنسبة 20%.
في أعقاب تلك الخطوة، أعلن صندوق النقد الدولي، التوصل لاتفاق تمويل على مستوى الخبراء، مع مصر قيمته 3 مليارات دولار لمدة 46 شهرا، ورغم ذلك واصلت السوق السوداء ضغوطها على الجنيه المصري حتى وصل إلى أكثر من 37 جنيها قبل أن يتراجع إلى 35 جنيها
لماذا انهار؟
يقول الخبير الاقتصادي علاء السيد، إن السبب وراء انهيار الجنيه المصري يعود لسياسة الحكومة الاقتصادية القائمة على الاقتراض لسداد الديون وأقساطها وليس الإنتاج، ولم تأخذ في الحسبان تقلبات الأسواق العالمية التي تندلع في أي لحظة كما حدث في أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية وهروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة والضعيف.
وتابع علاء في تصريحات صحفية أن سعر صرف الجنيه قبل الأزمة الأخيرة كان غير عادل، وكانت كل التحليلات تشير إلى أن قيمته أقل بكثير مما كان عليه ولكن تدخل البنك المركزي هو الذي كان يحول دون هبوطه ولكن شح الموارد الدولارية الناجمة عن الحرب وارتفاع أسعار السلع الأولية والطاقة وارتفاع تكلفة التأمين على الديون وهروب الأموال الساخنة بددت كل الجهود التي بذلها المركزي المصري في محاولة مساندته ودعمه.
وتابع أن "رفع الفائدة على الدولار الأمريكي أذكى شهية المستثمرين في الخروج من السوق المصري بعد أن قام الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة عدة مرات إلى مستويات قياسية مقابل انخفاض قيمة السندات الحكومية المصرية بشكل حاد وبوتيرة أسرع من المتوقع".
وتوقع الخبير الاقتصادي أن "الجنيه المصري سيهبط إلى مستويات جديدة مع إصرار صندوق النقد الدولي على تحرير سعر الصرف بشكل دائم وعدم تدخل البنك المركزي في ضخ مليارات الدولارات لدعمه أمام سلة العملات الأجنبية ما يترتب عليه ثلاثة أمور هي رفع العائد مجددا، وارتفاع التضخم بشكل أقوى والتعجيل ببيع المزيد من أصول البلاد".