في الوقت الذي اجتمع فيه مصطفي مدبولي، أول أمس، مع اللواء وليد أبو المجد، رئيس جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة، لمتابعة الموقف التنفيذي لمنظومة التغذية المدرسية، وإسناد توزيع الوجبات المدرسية مجددا إلى اللواء تيمور موسي، رئيس مجلس إدارة شركة سايلو فودز، استعرض السفيه عبد الفتاح السيسي مع ألوية الجيش لبحث استصطلاح الأراضي في توشكى ومشروعات جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة الزراعية!.


قالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إن السيسي يواجه مأزق تحرير الاقتصاد من هيمنة الجيش، وأن "مصر تواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة، يتمثل أحد أهم حلولها في إنهاء هيمنة المؤسسة العسكرية على مفاصل الاقتصاد، وهو الأمر الذي تراه الصحيفة صعباً وسط احتمالات تمسك الجيش بمصالحه، مقابل دعم السيسي".


وأشارت الصحيفة إلى رؤية خبراء أن السيسي يعتمد على أساسين هما؛ الاعتماد بشكل متزايد على تدفق الأموال الساخنة، والثاني فهو الاعتماد على الجيش لدفع النمو ، حيث تم تكليفه بالعشرات من مشاريع البنية التحتية وتشجيعه على نشر بصمته الاقتصادية عبر قطاعات لا تعد ولا تحصى، من المعكرونة إلى الإسمنت والمشروبات، ما أدى إلى استبعاد القطاع الخاص وخروج الاستثمارات الأجنبية.


وأوضحت أن الأساسيين يصبان في أموال الجيش وقالت "الأموال الساخنة استُخدمت لدعم الإنفاق الحكومي الهائل، الذي كان الكثير منه من خلال الجيش، ما أدى إلى امتصاص العملة الأجنبية".


تقليص دور الجيش في الاقتصاد


وعرضت الصحيفة رؤية اقتصاديين من أن تقليص دور الجيش اقتصاديا "سيكون أمرًا حاسمًا إذا كان يريد ازدهار القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية لجلب مصادر أكثر استدامة للعملة الأجنبية"، محذرة من أن الخوف من تداعيات استمراره في دولة استبدادية، هو "إننا بحاجة إلى وقف النزيف"، بحسب "رجل أعمال".


وأضافت أن تقليل السيسي من الدور الاقتصادي للجيش، يعني فقدان دعم المؤسسة التي قام عليها نظام حكمه وإدارته للبلاد، موضحا أن "الأمر يتطلب الكثير من الشجاعة لاستعادة الاقتصاد من الجيش"،  وأن تداعيات ذلك صعبة..


ونقلت عن خبير اقتصادي جيسون توفي، من "كابيتال إيكونوميكس"، أن "الجيش لن يتخلى عن مصالحه بسرعة كبيرة، وعلينا أن نضع في اعتبارنا أن الجيش قريب جدًا من السيسي، فقد يضغط عليه إذا شعر بأن مصالحه تتعرض لضغوط".


أما مايكل حنا، المحلل في "مجموعة الأزمات Crisis Group"، فقال إن "تقليص دور الجيش سيتطلب إعادة توصيل وترتيب أجزاء كبيرة من الاقتصاد"، مضيفاً أن "هذا صعب".


وأبانت أن "السيسي صُدم عندما اكتشف نقاط الضعف في النظام، لذا سافر سريعا في مارس الماضي إلى السعودية طلبا للدعم المالي السريع، حيث استجابت السعودية بوديعة بلغت 5 مليارات دولار في نهاية مارس في إطار خطة خليجية أوسع، شملت 5 مليارات دولار من الإمارات و3 مليارات دولار من قطر".


ونقلت عن "مصرفي مصري" عندما سئل عما كان سيحدث لو لم تكن دول الخليج قد سارعت لإنقاذ مصر: "أخشى أن أفكر"، مضيفاً أن "السيسي كان غير سعيد للغاية وقد فاجأته درجة الهشاشة في النظام المالي".


ونقلت عن اقتصادي مصري أن "المشكلة الأساسية هي أن مصر تعيش بما يتجاوز إمكانياتها"، مضيفا "إننا ننتج ونبيع لبقية العالم أقل بكثير مما نستورده، والذي نموله من خلال الديون".


واستدرك أن "الكثير من إنفاق الدولة يأتي من خارج الميزانية على شكل استثمارات في مشاريع عملاقة يقوم على تنفيذها الجيش"، مضيفا أنها "تضيف إلى فاتورة الاستيراد اقتراض مزيد من الدولارات".


منذ إبريل، أعلن السيسي أن الحكومة ستجمع 40 مليار دولار على مدى أربع سنوات من خلال بيع أصول مملوكة للدولة، وقال إنها ستبدأ في بيع حصص الشركات العسكرية في البورصة "قبل نهاية العام".


وأضافت أن الحكومة تعمل أيضًا على وثيقة "ملكية الدولة" والتي تهدف إلى تقليص دور الدولة والجيش أو سحبهما تماما من عدد من القطاعات الاقتصادية، حيث تستهدف الحكومة مضاعفة دور القطاع الخاص في الاقتصاد إلى 65 % على مدى السنوات الثلاث المقبلة، لكن بعد أشهر من الإعلان عن المبادرة لأول مرة، لم يتم نشر الوثيقة النهائية.


وتعهد السيسي في السابق ببيع حصص في الشركات العسكرية على مدى السنوات الثلاث الماضية، لكن الإعلان لم تقابله مبيعات للأصول على أرض الواقع.


إلا أن "حنا" أكد أنه "من الصعب الاسترخاء، وستكون عملية البيع تحولا أيديولوجيًا كبيرًا، ففي عهد السيسي زادت الامتيازات العسكرية وازداد دور الجيش في الاقتصاد، وقد أدى ذلك إلى ظهور مستفيدين، بما في ذلك داخل المؤسسة العسكرية".


وأوضحت الصحيفة أن السيسي اعتمد على الجيش كأداة رئيسية لتوجيه خططه الاقتصادية منذ أن ورث اقتصادا محطما بعد الانقلاب على محمد مرسي، وهو أول رئيس منتخب ديمقراطيا للبلاد، قبل تسع سنوات.


وأنه الآن مضى قدماً في مشروعات بنية تحتية تقدر قيمتها بنحو 400 مليار دولار، حيث وعد ببناء "جمهورية جديدة". ووفقاً للصحيفة، فإنه مع تحول البلاد من دولة بوليسية إلى دولة يقودها الجيش، وسّع الجيش انتشاره عبر الاقتصاد، من الصلب والإسمنت إلى الزراعة ومصايد الأسماك والطاقة والرعاية الصحية والأغذية والمشروبات.


واعتبرت أن ذلك أدى لارتفاع معدلات الفقر بعد تخفيض قيمة العملة، وظل استثمار القطاع الخاص دون المتوسطات التاريخية، حتى أن "العديد من رجال الأعمال الذين رحبوا بانقلاب السيسي بدعوى إعادة مظاهر الاستقرار إلى البلاد، يعتقدون أنه دخل إلى المنصب متوجسا ومحتقرًا للقطاع الخاص، ومع توسع الوجود العسكري في الاقتصاد، نمت مخاوفهم من أنه يعيق الاستثمار المحلي والأجنبي".


ولفتت إلى أن مبيعات الأصول وحدها لن تحل مشاكل مصر العميقة مع تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية، مع وجود ما يقدر بنحو 60 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر أو فوقه بقليل.


لم تكن القضية مجرد حجم الانتشار المتزايد للجيش، ولكن الخوف بين رجال الأعمال من أنهم قد يستيقظون ويجدون أنفسهم يتنافسون مع مؤسسة لا يمكن المساس بها وتسيطر على جزء كبير من أراضي مصر، ويمكنها استخدام العمالة المجندة والإعفاء من بعض الضرائب.


قبل عامين، كانت هناك مؤشرات أولية على أن النظام بدأ يستمع إلى مخاوف الشركات عندما تم تكليف الصندوق السيادي المصري ببيع حصص في 10 شركات مملوكة للجيش، وتم تحديد شركتي "وطنية" و"صافي" للبدء بخصختهما لكن لم يتم بيع أي منهما حتى الآن.