تعتبر زراعة الأعضاء سواء من الحي أو الميت جدل مستمر في مصر منذ سنوات لم يتوقف فبين الحين والآخر تُثار هذه المشكلة التي أجازها الأزهر الشريف بشروط وأنكرها الإمام محمد متولي الشعراوي.

 

ورغم أن فتح باب الجدل في هذا الموضوع من باب إلهاء المصريين، أثارت الفنانة إلهام شاهين، المقربة من نظام العسكر جدلا واسعا يهدف إلى فتح باب للنقاش وإثارة البلبلة حول مشروعية التبرع بالأعضاء، لإبعاد المصريين عن التفكير في الخراب الاقتصادي الذي يعانونه في ظل حكم العسكر،  حيث أعلنت أنها أول المبادرين بالتبرع بأعضائها بعد الوفاة والمناشدين بذلك، لدرجة أنها قامت بتوثيق توكيل رسمي في الشهر العقاري بالتبرع بأعضائها.

 

مشروعية التبرع بالأعضاء

 

بدأ الجدل قديما في مصر منذ السبعينيات، واستمر حتى الوقت الراهن، وخلال حوالي 5 عقود، كان هناك خلاف بين المؤسسات الرسمية التي أباحت التبرع أو النقل بضوابط، وبين بعض العلماء الذين رفضوه، واعتبروه مخالفة وتعدٍ على خلق الله.

 

ففي حين أكد جاد الحق مفتي مصر الأسبق، أن العلاج بنقل وزرع عضوٍ بشريٍّ مِن متوفى إلى شخصٍ حيٍّ مُصَابٍ جائزٌ شرعًا إذا توافرت الشروط التي تُبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرَّمه الله تعالى، وتنأى به عن أن يتحول إلى قطع غيار تباع وتشترى، بينما اعترض على هذه الفتوى العديد من علماء المسلمين وعلى رأسهم فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ أحمد كريمة، وفيما يلي نوضح لكم حجة الآراء المختلفة:

 

رأي الأزهر ودار الإفتاء المصرية

 

عندما ظهر الجدال حول مشروعية التبرع بالأعضاء أو بيعها، في عهد الشيخ جاد الحق علي جاد الحق مفتي مصر الأسبق، والذي أصبح لاحقًا شيخًا للأزهر، أطلق أول فتوى رسمية في 5-12-1979 حول نقل الأعضاء، قال فيها إنه يجوز نقل عضو أو جزء عضو من إنسان حي متبرع لوضعه في جسم إنسان، مؤكدًا أن الإنسان لديه ولاية من الخالق على أعضائه، ويمكن لوليُّه التصرف لإنقاذ حياة شخص آخر.

 

وأضاف جاد الحق في فتواه أنه يجوز أيضًا قطع العضو أو جزئه من الميت إذا أوصى بذلك قبل وفاته، أو بموافقة عصبته، وهذا إذا كانت شخصيته وأسرته معروفة، وإلا فبإذن النيابة العامة.

 

وفي عام 2009 أعلن الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، تبرعه بقرنية عينه بعد وفاته، وذلك خلال مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، مؤكدًا أن نقل الأعضاء الآدمية من إنسان توفي حديثًا إلى آخر حي، محلل شرعًا.

 

ثم أصدر مجموع البحوث الإسلامية، أعلى هيئة فقهية بالأزهر، بيانًا عام 2009، أجاز فيه التبرع بالأعضاء للمتوفى، وهو البيان الذي فتح الباب أمام إصدار القانون رقم 5 لسنة 2010، الخاص بالتبرع ونقل الأعضاء.

 

والآن بعد أن ظهر هذا الجدل مرة أخرى، خرج الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أن العلاج بنقل وزرع عضوٍ بشريٍّ مِن متوفى إلى شخصٍ حيٍّ مُصَابٍ جائزٌ شرعًا إذا توافرت الشروط التي تُبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرَّمه الله تعالى، شرط ألا تكون هناك نية للبيع وإلا كان حراما سواء كان من المتبرع، أو المريض، ووضع بعض الشروط التي جاءت كما يلي:

 

شروط الأزهر لمشروعية تبرع الميت

وحددت مؤسسة الأزهر العديد من الشروط والضوابط للتبرع بالأعضاء وهي:

 

  • أن يكون المنقول منه قد تحقق موته موتًا شرعيًّا وذلك بالمفارقة التامة للحياة، أي موتًا كليًّا، وهو الذي تتوقف جميع أجهزة الجسم فيه عن العمل توقفًا تامًّا تستحيل معه العودة للحياة مرةً أخرى؛ بحيث يُسمَح بدفنه، ولا عبرة بالموت الإكلينيكي أو ما يُعرَف بموت جذع المخ أو الدماغ؛ لأنه لا يعد موتًا شرعًا .
  • الضرورة القصوى للنقل؛ بحيث تكون حالة المنقول إليه المرضية في تدهور مستمر ولا ينقذه من وجهة النظر الطبية إلا نقل عضو سليم من إنسان آخر حي أو ميت.
  • أن يكون الميت المنقول منه العضو قد أوصى بهذا النقل في حياته وهو بكامل قواه العقلية وبدون إكراه مادي أو معنوي.
  • ألا يكون العضو المنقول من الميت إلى الحي مؤديا إلى اختلاط الأنساب بأي حال من الأحوال، كالأعضاء التناسلية وغيرها.
  • أن يكون النقل بمركز طبي متخصص معتمد من الدولة ومرخص له بذلك مباشرة بدون أي مقابل مادي بين أطراف النقل.  
  •  

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

وأيد رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الفقيد والعلامة الدكتور يوسف القرضاوي، بجانب عميد كلية الطب بجامعة الأزهر السابق إبراهيم بدران، نقل الأعضاء، سواء بين الأحياء أو الأموات إلى الأحياء، وحرموا البيع.

 

الشعراوي والعديد من العلماء يفتون بعدم الجواز

 

فيما اعترض الشيخ محمد متولي الشعراوي على فتوى جواز تبرع المتوفي بجزء من أعضائه أو أعضائه جميعا، قائلا، إن أعضاء الإنسان ليست ملكه حتى يتصرف فيها، وأنه أمانة عليه إيصالها لخالقها كما هي.

 

واستدل الشعراوي، في فيديو شهير، بقوله "لو أن الإنسان ملك ذاته وأبعاضه ليتصرف فيها لما حرم الله الجنة على المنتحر، فلا يأخذ الحياة إلا من يملكها".

 

وهاجم الشعراوي الذين "يخلعون عينا ليضعوها في إنسان، ويخلعون كلية ليضعوها في إنسان، ويخلعون طرفا ليضعوه في إنسان، متبرعين بها دون مقابل"، قائلاً: بعدم جواز التبرع ولا الشراء لأن التبرع بالشيء فرع الملكية له، وبيع الشيء فرع الملكية له، وما دمت لا تملك ذاتك، ولا أبعاضك فلا يصح أن تتصرف فيها لا بالتبرع ولا بالبيع.

 

وتشدد الشعراوي في فتواه، حتى قال، إن التبرع بالأعضاء "كفر بالله"، لأن ذلك يتعارض مع تكريم الله لبني آدم.

 

التبرع بالأعضاء جريمة

 

جاء موقف الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، مؤيدا لموقف الشعراوي، وأكد مرارًا في القنوات الفضائية وفي تصريحاته، على عدم جواز التبرع بالأعضاء البشرية من أحياء إلى الأحياء أو من موتى إلى أحياء، مؤكدًا أنه ممنوع وحرام ومخالف للشريعة الإسلامية.

 

وموافقًا للشعراوي، قال كريمة إن الإنسان لا يملك جسده ولا يملك التصرف فيه، وعقود التبرع بالأعضاء هي باطلة لأن جسد الإنسان ملك لله وحده، وأضاف أن الموت الإكلينيكي ليس موتًا شرعيًا، وبالتالي نزع أي عضو من جسد الإنسان المتوفي يعتبر جناية يستحق فاعلها القصاص، امتثالاً لحديث النبي: "كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا".

 

قانون زرع الأعضاء

 

ورغم الجدل المثار على مشروعية التبرع بالأعضاء إلا أن الدولة المصرية بحكوماتها المختلفة كان مع الرأي الذي يجيز التبرع وشرعت له قانونا جاء كما يلي:

 

فكان قانون رقم (5) لسنة 2010، أول قانون ينظم زرع الأعضاء البشرية، وتضمّن 28 مادة تتعلق بالأحكام العامة، ومنشآت زرع الأعضاء البشرية، وإجراءات زرعها، والعقوبات الخاصة بمخالفة تلك المواد.

 

وشدد القانون على أنه "لا يجوز إجراء عمليات زرع الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة بنقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حي أو من جسد إنسان ميت بقصد زرعه في جسم إنسان آخر إلا طبقًا لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية والقرارات المنفذة له".

 

واشترط وجود ضرورة تقتضيها المحافظة على حياة المتلقي أو علاجه من مرض جسيم، وبشرط ألا يكون من شأن النقل تعريض المتبرع لخطر جسيم على حياته أو صحته.

 

وبهدف قطع الطريق على التجارة بالأعضاء، يحظر النقل من مصريين إلى أجانب عدا الزوجين إذا كان أحدهما مصريًّا والآخر أجنبيًّا، ولا يجوز نقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حي لزرعه في جسم إنسان آخر، إلا إذا كان ذلك على سبيل التبرع.

 

وتوعّد القانون المخالفين بفرض غرامات مالية وعقوبات بالسجن تصل إلى المشدد والمؤبد، إذا ترتبت على مخالفتها وفاة المتبرع أو المتلقي.