دانيال بايبس- ناشيونال ريفيو

 

مصر التي اشتهرت منذ آلاف السنين بأنها "سلة غذاء المتوسط" تواجه اليوم نقصا مثيرًا للقلق في المواد الغذائية. وتقرير "الغذاء من أجل الاستقرار" الذي نشرته جيهان شاهين في صحيفة الأهرام يبين مدى عمق الأزمة بصراحةٍ مذهلة.

في البدء أقص على مسامعكَ حكايتين:

(1) رغم أن والدها أجبرها على الزواج من ابن عمها الذي يمكنه تحمل إيوائها وإطعامها، تقول سمر (20 عاما) إن عشاءهم معظم أيام الأسبوع لا يتعدى البطاطس والباذنجان المقلي. أختيها (10، 13 عاما)، اللتان تركتا المدرسة لتعملان، تعانيان من فقدان الوزن وفقر الدم المزمن.

(2) منال، ممرضة وأمٌ وحيدة لأربعة أطفال، لا تستطيع إطعامهم. تقول: "اعتدنا في الماضي حشو الملفوف بالأرز وتناوله حينما لا يكون لدينا مال. لكن الآن أصبح الحصول على هذا الطعام أمرا بالغ الصعوبة بسبب ارتفاع الأسعار. يعاني أطفالنا دائما من سوء التغذية، لكن الأمر يزداد سوءًا".

هؤلاء الأطفال ليسوا بِدًعا من المصريين؛ فوفقا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، يعاني 31% من أطفال مصر الذين تتراوح أعمارهم ما بين ستة أشهر وخمس سنوات من سوء التغذية، وهي إحدى أعلى المعدلات في العالم.

ووجد البرنامج الأممي أيضًا أن سوء التغذية في عام 2009 خفضت إجمالي الناتج المحلي لمصر بنحو 2%. وبحسب "فيوتشر دايريكشنز إنترناشيونال" الأسترالية يواجه واحد من كل خمسة مصريين انعدام الأمن الغذائي، وعدد متزايد من الناس لا يستطيعون شراء ما يكفي من الطعام الذي يحتوي على فائدة غذائية. ولملء بطونهم؛ يعتمد فقراء مصر على أطعمة منخفضة القيمة الغذائية ومرتفعة السعرات الحرارية (مثل الكشري) وهو ما يسبب ثنائي نقص التغذية والسمنة. فيما يعاني 5.2% من السكان من الجوع، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وتسهم عدة عوامل في أزمة الجوع المصرية، نسردها فيما يلي من الأعمق للأكثر سطحية:

السياسات الحكومية الخاطئة: تعاني القاهرة الحضر على حساب الريف؛ ما يؤدي إلى تقليل البحوث الزراعية، ونقص الدعم المالي، واحتكار القطاع الخاص، وذهاب الدعم لغير مستحقيه، والتهريب والفساد والسوق السوداء. ويعاني المزارعون من نقص البذور والأسمدة  والمبيدات الحشرية المكلفة رغم رداءتها. لكن الأكثر ضررًا هو تقلص مساحة الأراضي المزروعة بسبب تواطؤ الحكومة في التمدد السكاني غير المقيد وغير القانوني.

الاعتماد على الواردات الغذائية: أصبحت مصر، التي كانت مكتفية ذاتيا تاريخيًا، تستورد 60% من احتياجاتها الغذائية. صحيحٌ أن البلاد لا تزال مكتفية ذاتيا إلى حد كبير من الفواكه والخضروات، لكنها تعتمد بشكل كبير على الحبوب والسكر واللحوم وزيوت الطعام المستوردة. كما تستورد ثلثي احتياجها من القمح (10 مليون من أصل 15 مليون طن؛ ما يجعلها أكبر مستورد للقمح في العالم)، و70% من الفاصوليا، و99% من العدس. ولا غروَ، فمساحة العدس المزروعة انخفضت من 85 ألف فدان إلى أقل من ألف فقط. ومن ثمَّ كان الدعم السخي من الدول النفطية الصديقة بنحو 20 مليار دولار في عام 2013 ضروريا لتمويل واردات الغذاء. لكن يجب على المرء أن يتساءل: إلى متى سوف يستمر هذا الدعم؟

الفقر: مثل هذا الاعتماد على الأسواق الدولية المتقلبة أكثر خطورة من أي وقت مضى، في ظل عوز مصر المتزايد. وانخفض معدل نمو إجمالي الناتج المحلي السابق من 6.2% إلى 2.1% في عام 2012-2013، بحسب تقرير برنامج الغذاء العالمي. حتى محصول القطن، الذي كان يومًا فخر الزراعة المصرية انخفض بنسبة تفوق 11% في عام واحد 2012 إلى 2013. وتكشف تقارير الجهاز المركزي للتعبئة أن 28% من الشباب يعانون من الفقر، ويعيش 24% بالكاد فوق خطه.بزيادة قدرها 1% في عام واحد.

ندرة المياه: هبة النيل لا تكفي، بـ 20 مليار متر مكعب سنويا، بسبب عوامل مثل النمو السكاني وعدم كفاءة الري؛ ما يؤدي إلى خفض إنتاج مصر من الغذاء. وفي ظل إنشاء سدود جديدة على النيل الأزرق في إثيوبيا، سوف تشهد البلاد ندرة أكبر في غضون عقد.

الأزمات الأخيرة: مثل أنفلونزا الطيور في عام 2006، وأزمة المواد الغذائي والوقود في 2007-2009، وارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميا في 2010، والتدهور الاقتصادي الناجم عن عدم الاستقرار السياسي منذ ثورة 2011.

فهل يمكن لحكومة السيسي الجديدة أن تستجيب في الوقت المناسب لعكس مسار هذه الاتجاهات الكارثية؟ أنا متشائم.

فالمزارعون يحظون بمكانة متدنية في قائمة اهتمامات الحكومة. علاوة على ذلك، توجد قضايا ملحة- بدءًا بسخط عمال المصانع مرورا بتمرد الإخوان المسلمين إلى وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل- دائما ما تصرف انتباه القيادة عن الأزمات النظامية طويلة الأجل مثل إنتاج الغذاء.

وما المجاعة في مصر إلا أحد مشاكل الشرق الأوسط العميقة والمتوطنة، التي لا يستطيع الغرباء حلها، بل يمكنهم فقط حماية أنفسهم من آثارها.