قال تقرير دولي صدر حديثا حول وضع الاقتصاد المصري، إن انهيار احتياطيات البنك المركزي المصري خلال النصف الأول من العام 2022 يثير القلق بشأن الوضع المالي والمصرفي للبلاد.


ونشر بنك "أتش أس بي سي" البريطاني، وهو أكبر مؤسسة مصرفية في أوروبا وأحد أكبر البنوك في العالم، تقريرا مطولا استعرض وضع الاقتصاد المصري، أوضح فيه أن العنصر الأكثر سيولة لاحتياطيات البنك المركزي (الأوراق المالية الأجنبية والودائع النقدية في الخارج) تشهد انخفاضا بسرعة هائلة.


وبحسب التقرير الدولي، هبطت احتياطيات البنك المركزي بمقدار 14.5 مليار دولار أمريكي بين يناير وتموز/يوليو، وقابل هذا التراجع زيادة في حيازات الذهب.


وانخفضت أصول البنك المركزي بمقدار 3.2 مليارات دولار أمريكي خلال نفس الفترة (و250 مليون دولار أمريكي أخرى في تموز/ يوليو)، مع انخفاض احتياطيات البنك المركزي المصري بمقدار 8 مليارات دولار أمريكي منذ نهاية يناير، مما يساهم جزئيًا في مطالب سداد الدين العام. 


وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، تراجع رصيد الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 33.143 مليار دولار بنهاية يوليو الماضي، مقابل 45 مليار دولار في 2020.


وما يزيد من حجم القلق هو استمرار انخفاض حجم الاحتياطي النقدي لمصر مقابل النمو المتسارع لمعدلات، حيث تراجعت نسبة الاحتياطي النقدي في البلاد إلى حجم الدين الخارجي من 43 بالمئة في عام 2017 إلى 29.6 بالمئة عام 2020، وهو أسوأ مستوى له منذ العام 1991.


ويفاقم من خطورة انخفاض نسبة الاحتياطي النقدي إلى حجم الدين الخارجي عندما تكون الديون قصيرة، حيث أن السحب من الاحتياطي النقدي لسداد الديون قريبة الأجل قد يدفع البلاد إلى حافة الإفلاس إن كان الاحتياطي النقدي لا يكفي لسدادها في وقتها (كما حدث في سريلانكا)، وهو ما دفع نظام السيسي إلى مد آجال الديون من قصيرة الأجل إلى ديون طويلة الأجل، حتى ولو بفائدة أعلى، لترحيل فترات السداد إلى الأجيال القادمة.


وبحسب بيانات البنك الدولي، تراجع الدين الخارجي لمصر قصير الأجل من 50.5 بالمئة من الاحتياطي النقدي الأجنبي عام 2016 إلى 29.6 بالمئة في العام 2020، قبل أن يعود إلى الارتفاع مجددا ويصل إلى 31 بالمئة تقريبا في 2021، ثم قفز إلى 71.3 بالمئة في مارس الماضي، وهو أعلى مستوى لنسبة الديون قصيرة الأجل إلى الاحتياطي النقدي الأجنبي منذ أزمة الديون الكبيرة في العام 1990 والتي اقتربت مصر وقتها من إعلان تعثرها عن السداد، قبل أن يتم شطب جزء كبير منها مقابل مشاركة مصر في حرب الخليج الثانية. 


وهذا يعني أن سياسة النظام الانقلابى أدت إلى خفض نسبة الديون قصيرة الأجل إلى إجمالي الاحتياطي النقدي لنحو 5 أعوام، لكنها خرجت عن السيطرة بعدما تفاقم حجم إجمالي الدين الخارجي وأعبائه من أقساط وفوائد شكلت عبئا كبيرا على الاحتياطي النقدي الأجنبي في البلاد، ما تسبب في اتساع حجم الفجوة الدولارية وتفاقم أزمة العملة المحلية التي يطالب المستثمرون الأجانب البنك المركزي بتخفيضها مجددا قبل عودتهم إلى الأسواق المصرية. 


ووفقا لأحدث بيانات البنك المركزي المصري، وصل حجم الدين الخارجي لمصر إلى 157.8 مليار دولار في نهايةمارس 2022، فيما بلغت أعباء خدمة الدين 20 مليار دولار في الفترة بين يوليو / مارس من السنة المالية 2021/2022، وبلغت الأقساط المسددة 14.6 مليار دولار أمريكي، والفوائد المدفوعة نحو 3.4 مليارات دولار.


وقالت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، إن المستثمرين الأجانب طالبوا حكومة الانقلاب بتخفيض عملتها المحلية مجددا قبل عودتهم إلى السوق المصرية، وذلك بعد خمسة أشهر من آخر تخفيض في قيمة الجنيه.


وأضاف التقرير: "مصر أصبحت وجهة رئيسية للأموال الساخنة من خلال ربط عملتها بالدولار وامتلاك أحد أعلى معدلات الفائدة في العالم بعد احتساب التضخم. ويقول المستثمرون، بحسب الوكالة، إن البنك المركزي بحاجة إلى إضعاف العملة مجددا قبل عودتهم إلى السوق المصرية، وذلك بعد سحب نحو 20 مليار دولار من سوق الدين المحلي منذ بداية العام. لكن البنك المركزي نفى احتمال حدوث جولة ثانية من تخفيض قيمة العملة".


ونقلت "بلومبيرغ"، عن رئيس الديون السيادية للأسواق الناشئة في شركة "أبردين" في لندن، إدوين غوتيريز، قوله إن "القاهرة يجب أن تتقبل فكرة تخفيض قيمة عملتها أكثر. فلا أحد يريد الدخول بتعديل غير كامل لسوق العملات الأجنبية".