محمد عبد الرحمن صادق :

- إن شهر رمضان ما عُرف عنه إلا أنه شهر الإيمان والتقوى ، وكذلك عُرف عنه أنه شهر الغزوات والمعارك والفتوحات والانتصارات . فالإيمان يمد صاحبه بقوة تجعله يقتلع الجبال من مكانها ويخوض البحار وعبابها .

- في هذا الشهر المبارك كانت ( غزوة بدر -  فتح مكة -  معركة فتح الأندلس - معركة بلاط الشهداء – معركة فتح عمورية – معركة عين جالوت – معركة فتح قبرص – معركة المنصورة – حرب أكتوبر ..... الخ ) .  

- وسنتناول بإيجاز في هذا الموضوع بفضل الله تعالى بعض النماذج للغزوات وكذلك بعض النماذج للمعارك والفتوحات التي تمت في هذا الشهر المبارك لكي تكون نبراساً وعلامات مضيئة على طريق من يسلكون طريق الجهاد لإحياء مجد الأجداد .

- كما سنتناول في نقاط بعض أغراض الجهاد في الإسلام حيث أن كل هذه الغزوات والمعارك لم تكن تعطشاً للدماء ولا رغبة في التخريب والدمار بقدر ما كانت طمعاً في الأجر والثواب وإزالة كل الطواغيت التي تقف حائلاً بين الناس وبين دين الله عز وجل .

- أولاً : غزوة بدر

 - تُعد غزوةُ بدر أولَ معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة . كانت الغزوة يوم 17 رمضان عام 2 هـ . وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت فيها المعركة بين مكة والمدينة .     
                
- كان عددُ المسلمين في غزوة بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، معهم فَرَسان وسبعون جملاً ، وكان تعدادُ جيش قريش ألفَ رجلٍ معهم مئتا فرس ، أي كانوا يشكلون ثلاثة أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد تقريباً .
- ظهر تأييد الله تعالى للمسلمين في هذه الغزوة حيث أبلوا بلاءً حسناً وأظهروا بطولات قل أن تتكرر ، وكذلك أنزل الله تعالى ألف من الملائكة يحاربون مع المسلمين .                                             
- انتهت غزوة بدر بانتصار عظيم للمسلمين وقتل قائد قريش عمرو بن هشام ، وكان عدد من قُتل من قريش سبعين رجلاً وأُسر منهم سبعون آخرون ، أما المسلمون فلم يُقتل منهم سوى أربعة عشر رجلاً .
- من الدروس المستفادة للغزوة أنها رسمت لأجيال الأمة صورًا مُشرقة ومشرفة في الولاء والبراء ، وجعلت خطًا فاصلاً بين الحق والباطل ، فكانت الفرقان النفسي والمادي والمفاصلة التامة بين الإسلام والكفر . 
- ومن الدروس أيضاً أن النصر لا يتعلق بالأسباب بقدر ما يتعلق بتوفيق الله تعالى لعباده فالأسباب وإن كان مأموراً بها إلا أن أعظم عوامل النصر وأسبابه هو التضرع إلى الله تعالى ، وإظهار المذلة والخضوع بين يديه ، والإلحاح في الدعاء ، وحسن العبادة .                                                                

ثانياً : فتح مكة

 - تم فتح مكة عام 8 هـ ، وكان سببه أن قريشاً نقضت الصلح الذي عقدته مع المسلمين في الحديبية                                                             
- لمَّا نزل الرسولُ صلى الله عليه وسلم  بمكة واطمأنَّ الناسُ ، جاءَ الكعبة فطاف بها ، وجعل يطعنُ الأصنامَ التي كانت حولها بقوس كان معه ، ويقول : " .. جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً {81} " ( الإسراء 81 )  .   
- كان من نتائج فتح مكة دخول كثيرٍ من أهلها وسادتها الإسلام ، ومنهم أبو سُفيان بن حرب ، وزوجتُه هند بنت عُتبة ، وكذلك عكرمة بن أبي جهل ، وسُهيل بن عمرو ، وصفوان بن أمية ، وأبو قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه .... الخ .
 - قال ابن القيم : " ... هو الفتح الذي استبشر به أهل السماء ، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء ، ودخل الناس به في دين الله أفواجاً ، وأشرق به وجه الأرض ضياءً وابتهاجاً " .
- من الدروس المستفادة : أن كل التضحيات التي سبقت الفتح لم يضيعها الله ولم تذهب  سُدى . فلقد كانت أقساطاً تدفع ثمناً لهذا الفتح وهذا التمكين وتلك هي سُنة الله تعالى في عباده ... لا نصر بدون إسلامٍ صحيحٍ ، ولا إسلام بدون عبودية لله تعالى ، ولا عبودية بدون بذل وتضحية وجهاد في سبيل الله تعالى  . 

ثالثاً : فتح الأندلس

تولى موسى بن نصير بلاد المغرب عام 86 هـ وكان ذلك في عهد الوليد بن عبد الملك ، فأخضع البربر ، ونشر الأمن في هذه البلاد ، وفتح طنجة ثم تركها لقيادة طارق بن زياد ، وعهد إليه بالعمل على نشر الإسلام في المنطقة .

 بدأت أنظار المسلمين تتجه نحو أسبانيا ، وكان طارق بن زياد يتطلع لفتح أسبانيا ، فراسل يليان ولاطفه وتهاديا حتى يستفيد منه . وتذكر بعض الروايات أن يليان هو الذي دعا موسى بن نصير لغزو الأندلس انتقاماً من لذريق وذلك لاعتدائه على ابنته ، فاتصل بطارق وزين له فتح الأندلس ، وجعل نفسه وأتباعه أدلاء للمسلمين بعد أن اطمـأن إليهم ، وزار يليان موسى بن نصـير في القيروان لإقناعـه بسهولة الفتح ، وطبيعي أن يشك موسى في صحة المعلومات فطلب من يليان أن يقوم بغارة سريعة ، ففعل وعاد محملاً بالغنائم . فكان ما قام به يليان عاملاً مساعداً وليس أساسياً وذلك لأن أعين المسلمين كانت متجهة صوب فتح الأندلس وكانوا قد مهدوا الطريق لذلك منذ أن وصلوا إلى طنجة ، ثم إن المسلمين فتحوا فرنسا وسويسرا وصقلية وجزر المتوسط كلها دون مساعدة يليان ، كما أن المسلمين منذ أيام أمير المؤمنين عثمان بن عـفان رضي الله عنه يفكرون بفتح القسطنطينية بعد فتح الأندلس ، ومن المعروف عن عثمان رضي الله عنه قوله : " إن القسطنطينية إنما تفتح من قبل البحر ، وأنتم إذا فتحتـم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر آخر الزمان " .
أرسل موسى بن نصير برسالة إلى الخليفة بدمشق يستأذنه فيما هو قادم عليه ، فجاء رد الخليفة :  " أن خضها بالسرايا حتى تختبرها ، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال " . 

- اختار موسى للفتح طارق بن زياد ، وركب طارق السفن في سبعة آلاف من المسلمين . ولما علم لذريق بنزول المسلمين في أرض أسبانيا جمع جيشاً جراراً بلغ سبعين ألفاً ، وفي رواية : مائة ألف .
- سار طارق باتجاه قرطبة حتى وصل لوادي بكة حرّف فيما بعد إلى وادي لكة ، وهنا عرف طارق بأن لذريق وصل لقرطبة ، ثم تقدم واستعد للموقعة في سهل البرباط ، وأرسل طارق يطلب المدد من موسى بن نصير ، فعجل موسى بإرسال خمسة آلاف من خيرة الجنود فأدركوا طارقاً قبيل المعركة ، فأصبح عددهم اثني عشر ألفاً ، وقام طارق في أصحابه خطيباً فشجعهم على الجهاد ، واستعد الجيشان للمواجهة .
- بدأ القتال يوم الأحد الثامن والعشرين من رمضان سنة 92هـ .  ثبت جيش العدو في بداية المعركة وأظهروا شجاعة فائقة غير أنهم قد خارت قواهم أمام زحف الجيش الإسلامي ، ونتيجة كرههم الكبير لقائدهم " لذريق " انفضوا عنه وفروا هاربين ومنهم من انضم لجيش المسلمين .  
- هجم طارق على لذريق فضربه بسيفه فقتله ، وقيل : إنه جرحه ورمى بنفسه في وادي لكة فغرق ، وحمل النهر جثته إلى المحيط .
وبعد مصرعه احتل المسلمون المعسكر وغنموه ، واتجه طارق لفتح المدن الرئيسية في الأندلس وقاتل من تبقى فيها من أتباع لذريق  وانتهى إلى عاصمة الأندلس طليطلة وتمكن من فتحها .
- عبر موسى بن نصير إلى الأندلس بناء على استغاثة وجهها إليه طارق ، وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين ، بجيش عدده ثمانية عشر ألفاً ، ففتح بعض المدن التي لم يفتحها طارق . وبهذا الفتح الإسلامي العظيم استمر الإسلام في الأندلس لمدة ثمانية قرون وبعدها مضت سنة الله تعالى ودارت الدائرة وخرج المسلمون من الأندلس نتيجة لظهور الفرقة والتنازع في صفوف المسلمين ونتيجة لغفلتهم عن مكر أعدائهم بهم . 

رابعاً : معركة بلاط الشهداء

- توجَّه القائد المسلم ( عبد الرحمن الغافقي ) ناحية فرنسا ليستكمل الفتح الإسلامي لأوروبا ،   فوصل إلى غرب فرنسا وذلك عام 114 هـ  .
- عسكر جيش المسلمين في منطقة تسمى البلاط وكان تعداد جيش المسلمين يصل إلى خمسين ألفاً على الأقل ، مقابل 400 ألف من الفرنجة جمعهم شارل مارتل من المرتزقة والهمج والعبيد وغيرهم ممن هم على شاكلتهم .
- اندلع القتال بين الجيشين لمدَّة تسعة أيام لا غالب ولا مغلوب حتى إذا كان اليوم العاشر، حمل المسلمون على الفرنجة حتى كادوا ينتصرون إلاَّ أن فرقة من فرسان الفرنجة استطاعت أن تنفذ إلى معسكر الغنائم في خلف الجيش الإسلامي ، وهنا تراجعت فرقة من الفرسان في قلب الجيش الإسلامي إلى الخلف للدفاع عن الغنائم ، فاهتزَّ قلب الجيش الإسلامي مع هذه الحركة المفاجئة . وترتب على ذلك أن أصيب عبد الرحمن الغافقي بسهم ألقاه من على فرسه شهيدًا .
بعد اليوم العاشر انسحب المسلمون إلى الجنوب ، وجاء اليوم الحادي عشر فنهض الفرنجة لمواصلة القتال ، فلم يجدوا المسلمين .
- نتج عن هذا الانسحاب توقف الفتح الإسلامي لغرب أوروبا ، وارتفاع معنويات جيش الفرنجة . كما نتج عنه أيضاً خسائر بشرية كبيرة في صفوف جيش المسلمين وذلك بسبب الاغترار بالعدد والانشغال بالغنائم ، وكذلك بسبب ظهور النزعة العصبية بين العرب والبربر في ذلك الوقت .
- وهنا أعاد التاريخ نفسه مثلما حدث في غزوة أحد حيث شكلت الغنائم عقبة كبيرة أمام تحقيق انتصاراً مُستحقاً للمسلمين .

 خامساً : فتح عمورية

كانت وقعة عمورية عام 223هـ حيث قام ملك الروم توفيل بن ميخائيل بغزو مدينة صغيرة على أطراف الدولة العباسية في عهد الخليفة المعتصم بالله وأوقع بأهلها مقتلة عظيمة وأسر ألف امرأة مسلمة وقام بتقطيع آذان الأسرى وأنوفهم وسمل أعينهم .                                        
استنجد المسلمون بالمعتصم فغضب غضباً شديداً ونادى في المسلمين يا خيل الله اركبي . وأرسل لملك الروم رسالة يقول فيها " من المعتصم بالله أمير المؤمنين إلى كلب الروم : " لأرسلن لك بجيش أوله عندك وأخره عندي " .                                                                
 
- خرج المعتصم إلى بلاد الروم ، وتجهز جهازاً لم يتجهز مثله خليفة قبله من السلاح والعدد ، ثم دخل بلاد الروم فأقام على (سلوقية) قريباً من البحر، ودبر النزول على أنقرة ، فإذا فتحها الله تعالى صار إلى عمورية ، إذ لم يكن شيء ما يقصد له من بلاد الروم أعظم من هاتين المدينتين .            
وسار المعتصم مع قواده في خطة محكمة، حتى صاروا من أنقرة على مسيرة ثلاث مراحل ، فهرب أهل أنقرة وعظماؤها، ونزل بها المعتصم وقواده فأقاموا بها ثم تابع المسير إلى عمورية .       
- تحصن أهل عمورية وراء أسوارها . إلا أن المعتصم نصب المجانيق ، وأمر بضرب السور فانفرج السور من موضع وسقط . فلما كان اليوم الثالث ، وكثرت الجراحات في الروم ، قرر صاحب عمورية أن يخرج هو وأصحابه إلى المعتصم ليسألوه الأمان لأنفسهم ففعل وكان فتحاً إسلامياً كبيراً .                                                                                    
سادساً : معركة عين جالوت

 - كانت معركة عين جالوت في يوم 25 رمضان عام 658 هـ . وعين جالوت هي بلدة بين بيسان ونابلس في فلسطين المحتلة .                                                                                
استمر المغول في زحفهم حتى دخلوا بغداد ، واستطاع قائدهم "هولاكو" إسقاط الخلافة العباسية ، وقتْل الخليفة العباسي سنة 1258م ، وتدمير بغداد عاصمة الخلافة .                                     
استمر هولاكو في زحفه واستولى على حلب ودمشق ثم احتلوا بلدة " الخليل " وبلدة " غزة " من أرض فلسطين . لم يبق أمامه إلا مصر، فأرسل هولاكو رسالة تهديد لحاكم مصر في ذلك الوقت السلطان " سيف الدين قطز " ، يطلب منه الاستسلام ، فرفض السلطان قطز الاستسلام وأعد جيشه للمواجهة الحاسمة .                                                                                            
- نزل قطز بجيشه في منطقة الغور بعين جالوت في فلسطين . وفي يوم الجمعة 25 رمضان قامت معركة عنيفة بين الجيشين وحقق المسلمون انتصاراً كبيراً على جيش المغول ، وأسروا قائدهم ، وأمر " قطز " بقتله .                                                                                                 
كانت معركة عين جالوت هي نهاية أسطورة هذا الجيش الذي عاث في الأرض فساداً ، وفرت فلول هذا الجيش إلى بلادهم خزايا مدحورين . وبعد هذه المعركة كانت بداية دولة المماليك في مصر والشام .   
- إن عين جالوت أعادت روح سابقتها من غزوات ومعارك المسلمين وكذلك أعادت للإسلام مكانته وعزته وكانت نبراساً لكل الشعوب وكل القادة ونموذجاً فريداً في الاستبسال والإقدام والتضحية .

سابعاً : بعض أغراض الجهاد في الإسلام

- قال تعالى : " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ {193} "         ( البقرة 193 ) .
- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى " ( متفق عليه ) .
- ومن أهم الأغراض للجهاد في الإسلام :-
1- تنفيذ أمر الله تعالى بالقيام بهذه الفريضة بحقها وضوابطها التي شرعها الله تعالى وفصَّلها النبي صلى الله عليه وسلم .                                                                                                     
2- دفع بأس أعداء الإسلام ، وكسر شوكتهم لإظهار دين الله الحق ، وعصمة الناس من فتنة الشرك والعمل على استتباب الأمن في المجتمع .                                                                           
2- إنقاذ المستضعفين ، ورعاية حقوقهم وصون أنفسهم ودينهم وأعراضهم من عبث الظالمين وكيد الكافرين
4 - تحصيل الأجر والثواب والفوز بإحدى الحُسنيين . إما أن تعيش كريماً وإما أن تصنع لنفسك حياة مع الكرام البررة .                                                                                                 
- إن للمسلمين أخلاقاً في حربهم لا تتوفر في غيرهم ، فهي حرب نظيفة ، ولغاية سامية ، وليست حرب إبادة كما يسمونها في أيامنا هذه .
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين . اللهم ارفع للإسلام رايته وحقق لكل مجاهد في سبيلك غايته . اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميره . اللهم آمنا في أوطاننا ، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل الطاعة ويُذل فيه أهل المعصية ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر .