محمد عبد الرحمن صادق :


- إن المسلم مُطالب بأن يأخذ بكل الأسباب المشروعة التي لا تتعارض مع نص صحيح . قال أهل العلم : الأخذ بالأسباب عبادة والاعتماد عليها شرك ، ومن أخذ بالأسباب ولو كانت ضعيفة ثم اعتمد على الله تعالى فقد امتثل .                                                                                               
- قال تعالى : " وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ...... {60} " ( الأنفال 60 ) .                
- سُئِل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل جلس في بيته ، أو في المسجد وقال : لا أعمل شيئاً حتى يأتيني رزقي ، فقال : هذا رجل جهل العلم ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي ، وقال : لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خِماصاً وتروح بِطاناً ـ فذكر أنها تغدو وتروح في طلب الرزق ، قال : وكان الصحابة يتجرون ويعملون في نخيلهم والقدوة بهم .                                  
- قال الفاروق عمر رضي الله عنه : " لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول : اللهم ارزقني ، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة " .                                                                     
قال الشاعر :
ألم تر أن الله أوحى لمريم .............................. وهزى إليك الجذع تسَّاقط الرطب
        ولو شاء أن تجنيه من غير هزها .....................  جنته ولكن كل شيء له سبب            
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
-----------------------------------------
خاطرة ( 17 ) : غزوة بدر
 - تُعد غزوةُ بدر أولَ معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة . كانت الغزوة يوم 17 رمضان عام 2 هـ . وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت فيها المعركة بين مكة والمدينة .                      
- كان عددُ المسلمين في غزوة بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، معهم فَرَسان وسبعون جملاً ، وكان تعدادُ جيش قريش ألفَ رجلٍ معهم مئتا فرس ، أي كانوا يشكلون ثلاثة أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد تقريباً .
- ظهر تأييد الله تعالى للمسلمين في هذه الغزوة حيث أبلوا بلاءً حسناً وأظهروا بطولات قل أن تتكرر ، وكذلك أنزل الله تعالى ألف من الملائكة يحاربون مع المسلمين .                                        
- انتهت غزوة بدر بانتصار المسلمين وقتل قائد قريش عمرو بن هشام ، وكان عدد من قُتل من قريش سبعين رجلاً وأُسر منهم سبعون آخرون ، أما المسلمون فلم يُقتل منهم سوى أربعة عشر رجلاً .
- من الدروس المستفادة للغزوة أنها رسمت لأجيال الأمة صورًا مُشرقة في الولاء والبراء ، وجعلت خطًا فاصلاً بين الحق والباطل ، فكانت الفرقان النفسي والمادي والمفاصلة التامة بين الإسلام والكفر . 
- ومن الدروس أيضاً أن النصر لا يتعلق بالأسباب بقدر ما يتعلق بتوفيق الله تعالى لعباده فالأسباب وإن كان مأموراً بها إلا أن أعظم عوامل النصر وأسبابه هو التضرع إلى الله تعالى ، وإظهار المذلة والخضوع بين يديه ، والإلحاح في الدعاء ، وحسن العبادة .                                          

اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين
----------------------------------
خاطرة (  18 ) : المراقبة والورع
عن مجرز أبو القاسم الجلاب قال : حدثني سعدان قال : أمر قوم امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع بن خثيم فلعلها تفتنه ، وجعلوا لها إن فعلت ذلك ألف درهم . فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب ، وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده ، فنظر إليها فراعه أمرها فأقبلت عليه وهي سافرة . فقال لها الربيع : كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك ؟ أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين ؟ أم كيف بك لو قد ساءلك منكر ونكير؟ فصرخت صرخة فسقطت مغشياً عليها . فوالله لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها أنها كانت يوم ماتت كأنها جذع محترق .                                                                         
- قال بعض الصالحين : كانت هناك جارية تطوف بالكعبة وإذا هي تقول : يا كريم عهدك القديم ! فسألتها ما هو خطبك ؟ فقالت : كنت في البحر فعصفت بنا ريح وحطمت السفينة وغرق كل من حملته إلا أنا وطفلي ورجل على لوح آخر، فلما أصبح الصباح دخل إلي وهو يسبح واستوى معنا على اللوح ، وجعل يراودني عن نفسي ، فقلت له : يا عبد الله نحن في بلية لا نرجو السلامة منها بطاعة فكيف بالمعصية ؟ فقال : دعيني فو الله لا بد من ذلك ، ومد يده للطفل ورماه بالبحر، فقلت : ( يا من يحول بين المرء وقلبه حُل بيني وبين هذا الرجل بحولك وقوتك إنك على كل شيء قدير ) وإذا بدابة من دواب البحر قد فتحت فمها والتقمت الرجل ، فما بقي إلا أن أخذت بي الأمواج للبر، فلقيت قوما أنبأتهم بأمري ، فقالوا : نحن نخبرك بأعجب منكِ ، كنا في البحر وقد اعترضتنا دابة وإذا بطفل على ظهرها ومناد ينادي خذوا هذا الطفل وإلا أهلكتكم ، فأخذناه ، فرد طفلها لها بحول الله ( الزهر الفائح في ذكر من تنزه عن الذنوب والقبائح - ابن الجزري ) .
-------------------------------------
خاطرة ( 19  ) : معركة بلاط الشهداء
- توجَّه القائد المسلم ( عبد الرحمن الغافقي ) ناحية فرنسا ليستكمل الفتح الإسلامي لأوروبا ،   فوصل إلى غرب فرنسا وذلك عام 114 هـ  .
- عسكر جيش المسلمين في منطقة تسمى البلاط وكان تعداد جيش المسلمين يصل إلى خمسين ألفاً على الأقل ، مقابل 400 ألف من الفرنجة جمعهم شارل مارتل من المرتزقة والهمج والعبيد وغيرهم .
- اندلع القتال بين الجيشين لمدَّة تسعة أيام لا غالب ولا مغلوب حتى إذا كان اليوم العاشر، حمل المسلمون على الفرنجة حتى كادوا ينتصرون إلاَّ أن فرقة من فرسان الفرنجة استطاعت أن تنفذ إلى معسكر الغنائم في خلف الجيش الإسلامي ، وهنا تراجعت فرقة من الفرسان في قلب الجيش الإسلامي إلى الخلف للدفاع عن الغنائم ، فاهتزَّ قلب الجيش الإسلامي مع هذه الحركة المفاجئة . وترتب على ذلك أن أصيب عبد الرحمن الغافقي بسهم ألقاه من على فرسه شهيدًا .
بعد اليوم العاشر انسحب المسلمون إلى الجنوب ، وجاء اليوم الحادي عشر فنهض الفرنجة لمواصلة القتال ، فلم يجدوا المسلمين .
- نتج عن هذا الانسحاب توقف الفتح الإسلامي لغرب أوروبا ، وارتفاع معنويات جيش الفرنجة . كما نتج عنه أيضاً خسائر بشرية كبيرة في صفوف جيش المسلمين وذلك بسبب الاغترار بالعدد والانشغال بالغنائم ، وكذلك بسبب ظهور النزعة العصبية بين العرب والبربر في ذلك الوقت .
- وهنا أعاد التاريخ نفسه مثلما حدث في غزوة أحد حيث شكلت الغنائم عقبة كبيرة أمام تحقيق انتصاراً مُستحقاً للمسلمين .
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين
--------------------------------------
خاطرة (  20 ) : أحوال النصر 
- قال تعالى : " إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ {1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً {2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً {3}‏ " ( سورة النصر ) .
- اعلموا أن الله تعالى جعل النصر على ثلاثة أحوال :-
- نصر استحقاق : عندما يقوى الإيمان وتتكافأ العُدة مع الأعداء مثلما حدث في فتح مكة .
- نصر تفضل : عندما يقوى الإيمان وتقل العُدة مثلما حدث في بدر .
 - نصر مبدأ وعقيدة  : عندما يقوى الإيمان وتقل الحيلة فلا يكون للفرد المُستضعف سوى عقيدته وإيمانه ويقينه في ربه سبحانه وتعالى مثلما حدث لأصحاب الأخدود ، وسحرة فرعون ، وبلال ، وعمار ، وأحمد ابن حنبل ، وكل من سار على دربهم إلى يوم القيامة فسنة الله لا تتبدل ولا تتغير .                          
- والملاحظ أن العامل المشترك لأنواع النصر الثلاثة هو قوة العقيدة ، وقوة الإيمان التي لا تضارعها قوة ولا يغلبها غالب .
- تضرعوا إلى ربكم واثقين في معيته وتأييده ، ووحدوا صفوفكم ، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ، يتنزل عليكم نصر ربكم : " ...... وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5}‏    ( الروم 4 – 5 ) .                                                                        
- وليس النصر أن تعيش حتى تنتصر على عدوك وتتحرر ولكن النصر هو أن تلقى الله تعالى ثابتاً في وجه الطغيان .                                                                                         
اللهم نصرك الذي وعدتنا