04/10/2010

- زوجة الشاطر: احترم رغبتي في النقاب رغم اعتراضه عليه

- الزهراء: كان يذاكر لي في فترة الزيارة ويلخِّص المناهج بيده

- عائشة: لحظات خِطبتي كان يعرفها لحظة بلحظة من زنزانته

- رأى وفاة والدته وعملية ابنته وحادث حفيده بالزنزانة قبل وقوعهم

- ابنتان تزوجتا في سراحه وشهد مولد اثنين فقط من 16 حفيدًا
 

"حاولت تأجيل الزواج بقدر ما أستطيع، وكنت أبكي وأرفض الخروج لمقابلة العريس؛ بسبب عجزي عن تقبُّل فكرة عدم وجوده معي في هذه اللحظة".
 
هكذا قالت رضوى صغرى بنات المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، والمعتقل حاليًّا على ذمة القضية العسكرية، في حوار أجرته جريدة (الفجر) الأسبوعية مع أسرة الشاطر.
 
وقد كان من المتوقع أن تشهد قاعة الزيارة في سجن طرة يوم الخميس الماضي عقد قرانها على د. عبد الرحمن علي، في ظل أجواء استثنائية بجميع المقاييس؛ حيث يتم عقد القران خلالها شرعيًّا في السجن على يد د. خالد أبو شادي الداعية الإخواني الشاب وزوج شقيقتها سمية، وأن يكون خيرت الشاطر هو الولي الفعلي لها، على أن يتم تسجيل العقد في اليوم التالي بشكل رسمي بحضور المأذون، في إطار حفل عائلي بقاعة مناسبات مسجد دار الأرقم بمدينة نصر، وتحضره جميع القيادات الإخوانية للجماعة، ويغيب عنه الشاطر الذي سيوكِّل شقيقه عنه في عقد القران كولي صوري لرضوى التي سبق أن استقبل خيرت الشاطر عريسها د. عبد الرحمن وأسرته قبل أشهر في السجن؛ حيث تمَّ الاتفاق على جميع تفاصيل الزواج.

إلا أن الترتيبات التي تغيَّرت في آخر لحظة؛ بسبب إصرار الشاطر وعائلته على أن يكون عقد القران الفعلي في السجن، والرسمي في المسجد في يوم واحد، وكون يوم الجمعة الذي تحدَّد لإقامة حفل الزواج هو يوم إجازة زيارة السجن؛ فقد تقرر في اللحظة الأخيرة ألا يتم عقد القران شرعيًّا في السجن من الأساس، وأن يتم عقد القران الشرعي والرسمي معًا في المسجد في المرة الأولى من نوعها التي يغيب خيرت الشاطر فيها عن عقد قران ابنة من بناته الثمانية، وخلافًا للخطة المتبعة في عقد قران ابنتيه سمية وسارة اللتين شهدت قاعة الزيارة عقدي قرانيهما الفعلي على يد الإخواني الأشهر أحمد أبو شادي صهر خيرت الشاطر؛ وذلك قبل ساعات من عقد قرانيهما المعلن أمام الجميع في المسجد.

زواج تحت الحراسة!

وهي نفس قاعة الزيارة التي شهدت أيضًا جميع تفاصيل الزواج، بدءًا من موافقة خيرت الشاطر على الخطبة، والاتفاق على التفاصيل المادية، بل ولقاء التعارف الأول أيضًا بينه وبين "خطاب" بناته الثمانية الذين عادة ما كانوا يذهبون إلى مقابلته في السجن، بعد إتمام الإجراءات الأمنية التي اعتادتها عائلة الشاطر في كل مرة؛ للحصول على إذن من أجهزة الأمن بدخول العريس وأسرته.

ففي الوقت الذي لم يحضر فيه خيرت الشاطر سوى عقدي قران ابنتين فقط من بناته الثمانية وهو خارج السجن، وهما سمية وحفصة، وأنه ما من ابنة من بنات الشاطر الثمانية إلا وكان غائبًا عن خطبتها أو زفافها أو عقد قرانها.
 
وبالتالي فقد سمح له الأمن بالخروج مرتين إلى منزله لعقد قران 3 من بناته هنَّ الزهراء كبرى بنات الشاطر، التي تزوَّجت من المهندس أيمن عبد الغني القيادي الإخواني المعروف، ثم عائشة وخديجة اللتان تم عقدا قرانيهما في يوم واحد.
 
إلا أن عقد القران بحضور خيرت الشاطر في ظل الحراسة الأمنية، والاقتصار على حضور الأقارب من الدرجة الأولى فقط؛ كان عادة ما يتحوَّل إلى مأساة تسببها لحظة رحيله التي كانت تنقلب إلى نوبات انهيار وبكاء للعروس وشقيقاتها، وهي ترى والدها وهو يتركها ويعود إلى السجن مرةً أخرى.
 
وهي الأزمة التي قرر "الشاطر" أن يتفاداها بعد ذلك في عقود قران سارة ومريم ورضوى بعد ذلك، فلم يتقدَّم بطلب للخروج لحضور عقد القران.
 
وبينما لم يشترط خيرت الشاطر أن يكون أزواج بناته من الأعضاء التنظيميين في الجماعة، فكان الخطاب عادة ما بين الإخواني التنظيمي والمنتمي إلى الحالة الإخوانية، والملتزم دينيًّا بلا انتماءات، إلا أن زوجة الشاطر- التي عادة ما تكون هي المحطة الأولى للعريس قبل أن يصل إلى خيرت الشاطر في الزنزانة للتقدُّم إلى ابنته- لم تتنازل أبدًا عن شرطها الأول، وقبل أي كلام وهو حصول العريس على موافقة أهله على زواجه من ابنة خيرت الشاطر الموجود في السجن على ذمة قضية الأحكام العسكرية لجماعة الإخوان المسلمين، ففي الوقت الذي كان الرد يأتي بترحيب بالغ من بعض العائلات غير الإخوانية كان الرفض قاطعًا من عائلات أخرى.

خزينة الذكريات

وهكذا كانت أفراح عائلة الشاطر بعقد قران رضوى مفتاحي إلى منزل الشاطر وإلى خزينة ذكرياته؛ حيث حملني المصعد إلى الدور الـ11 في برج سويسرا بمدينة نصر.
 
بإسدال صلاة غاية في الأناقة، استقبلتني عزة أحمد توفيق.. البطلة الوحيدة في حياة شهيد الجماعة الحي، وهي تلملم أوراق محاضرات دبلوم التفسير في أحد معاهد العلوم الشرعية التي كانت تذاكر فيها قبل وصولي.

ومع كلماتها الأولى، تستبعد من ذهنك تمامًا احتمال أن تكون أمام النموذج التقليدي للزوجة التابعة التي قادها القدر بالصدفة أن تدفع ضريبة اختيار زوجها كغيرها من الزوجات الإسلاميين.

بل تصبح مجبرةً على التعامل معه بمنطق الشريك، اختارته بعد أن اختارت أفكاره، ولكنها تحمل قناعات ومنهجًا مستقلاًّ، يسمح لها بالاختلاف مع أقوى رجل في جماعة الإخوان المسلمين، ربما بنفس القدر الذي تتفق فيه مع قناعاته.

كان سؤالي لها مباشرًا: كيف تكونين زوجة نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين وترتدين النقاب الذي لا يفضله أعضاء الجماعة كزي للمرأة الإخوانية؟

وبينما تدخَّلت الزهراء ابنتها الكبرى في هذه اللحظة ساعية إلى توضيح موقف والدها، ولتؤكد أن الشاطر لم يفضِّل بالفعل ارتداء بناته النقاب؛ لأنه وفقًا لرؤيته يعوِّق العمل الدعوي وحرية الحركة.

إلا أن إجابة عزة جاءت واضحة وقوية، بأن هذه هي بالفعل وجهة نظر خيرت التي تختلف معه فيها، إلا أن شخصيته التوافقية استوعبت حنينها الغامر للنقاب وإصرارها على ارتداء النقاب، الذي كان يلحُّ عليها بعد أن حُرمت منه طوال فترة إقامتها في إنجلترا ومصر، بعد أن كانت قد تعوَّدت عليه مدة إقامتها في السعودية واليمن، خاصةً أن قرارها في ارتداء النقاب جاء بعد اعتقال خيرت الشاطر سنة 1995م؛ حيث أصبحت مضطرة إلى التعامل مع الرجال بشكل أوسع بعد اعتقاله لقضاء شئونها وشئون أولادها؛ وهو ما جعل الشاطر يحترم رغبتها في النهاية، ليكون ذلك بداية غزو النقاب لعائلة خيرت الشاطر بعد ذلك بارتداء 3 من بناته النقاب، وكذلك شقيقته فاطمة زوجة د. محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد.

لم تكد عزة ابنة كبرى عائلات الفيوم تبلغ العاشرة من عمرها حتى حرمها الموت من أمها ليتحوَّل والدها المهندس الشهير بعد ذلك إلى كل شيء في حياتها، قررت أن تصبح مثله، وبدأت تعرف نفسها منذ المرحلة الإعدادية على كشاكيل الدراسة (المهندسة عزة أحمد توفيق).

ليقود حلم ابنة الفيوم الصغيرة إلى هندسة الإسكندرية؛ حيث يتحوَّل مسار حياتها بأكمله وينسج القدر حكايتها القادمة مع رجل عمرها.

لقاء الشاطر

وفي إطار مد الجماعة الإسلامية في جميع جامعات مصر في ذلك التوقيت، ظهرت عزة توفيق كأبرز الناشطات في جامعة إسكندرية، في الوقت الذي كان فيه خيرت الشاطر- الذي يسبقها بعامين دراسيين- نجم نجوم النشاط الإسلامي في الجامعة.

إلا أنه مع زلزال وفاة والدها قبل تخرُّجها بعام واحد فقط، كان لا بد من تأجيل الخطبة إلى العام التالي، في الوقت الذي كان خيرت بدأ يمارس وظيفته بالفعل كمعيد في هندسة المنصورة وقتها.

ويشهد منزل عائلة عزة في الفيوم الفرح الذي تحوَّل إلى احتفالية كبرى.

فور الزواج بدأت عزة في تعديل أحلامها وأولوياتها في الحياة، ورغم عدم اعتراض خيرت على عملها كمهندسة مدنية طوال فترة خطبتهما، إلا أنها كانت قد حسمت قرارها بالاستغناء عن حلم طفولتها بعد أن رأت أنه يتعارض- من وجهة نظرها- مع حياتها كامرأة متدينة، وقررت التفرُّغ لأسرتها الصغيرة التي وضع للتو حجر أساسها، التي ستتفرع فيما بعد إلى إمبراطورية عائلية تضم 10 أبناء و16 حفيدًا بالكامل.

بينما كان خيرت على الجانب الآخر قد تحول بالفعل إلى الأب البديل لأشقاء عزة الثلاثة الصغار وكبير عائلتها، يذاكر لشقيقها أحمد طالب الهندسة، ويتقدَّم إليه خطاب لشقيقتها حنان، ولا يتم اتخاذ قرار من قرارات العائلة قبل الرجوع إليه.

ويزداد ارتباطهما العاطفي بشدة إلى الدرجة التي يكون حب الشاطر لعزة فيما بعد سببًا مباشرًا في أن تتعرض حالته الصحية في السجن قبل سنوات لتدهور شديد بعد علمه بإصابتها بغيبوبة جزئية والاشتباه في جلطة، إلى الدرجة التي أصبح لازمًا معها إنقاذ صحة خيرت الشاطر، أن يأتي أحد أبنائه إلى السجن يوميًّا، ولو عن طريق الحرس لإبلاغه بتطور حالتها، ويتابع أسماء الأطباء المشرفين على حالة عزة بنفسه.

بحلول عام 1981م يتغير مسار الأسرة الصغيرة، بالتنقل ما بين السعودية واليمن إلى أن ينتقل خيرت الشاطر إلى الإقامة في إنجلترا بعد حصوله على منحة لدراسة الدكتوراه هناك.

حياة الزنزانات

بعد سنوات، سُجن خيرت الشاطر لمدة عام في قضية "سلسبيل" 1992م، ثم 5 سنوات في القضية العسكرية 1995م، ثم السجن عام 2001م، ثم الحكم بسبع سنوات سجن في القضية العسكرية الأخيرة 2006م، بالإضافة إلى مصادرة الشركات والأموال.

ويبدأ خيرت الشاطر في نسج حياة عائلية استثنائية من وراء الزنزانة..

ففي الوقت الذي ما زالت مريم خريجة الاقتصاد والعلوم السياسية تذكر فيه لحظة ظهور نتيجة الثانوية العامة لها أثناء وجود خيرت الشاطر في جلسات المحاكمة، ولم تستطع إخباره بالمجموع إلا بصوت عالٍ وهو يصعد إلى سيارة الترحيلات، وبالتالي اضطرت بعد ذلك إلى كتابة رغبات التنسيق بمفردها.
 
إلا أن الزهراء كبرى البنات كان لها الحظ الأوفر؛ حيث كانت ساعات الزيارة تمر وهو يذاكر معها المواد الدراسية بنفسه، ثم يلخِّص لها المناهج بخط يده في الفترة ما بين الزيارات، وسهره إلى حين موعد زيارتها له في وضع خطة بحث التخرُّج والمحاور الرئيسية فيه.
 
وفي الوقت الذي ما زالت تحتفظ فيه بخطابه لها في ليلة الزفاف، يبارك لها، ويعتذر عن عدم وجوده معها في هذه اللحظة رغمًا عنه؛ تحكي عائشة كيف عايش الشاطر معها لحظات خطبتها لحظة بلحظة من زنزانته، وبينما لم يكن وقت الزيارة يكفي لتحكي له جميع تفاصيل علاقتها مع خطيبها، فقد كانت تلجأ إلى تسجيل المواقف والانطباعات في خطاب تسلمه للشاطر في الزيارة؛ بحيث يرد عليها بخطاب مماثل في الزيارة التالية؛ تعليقًا على التفاصيل التي وردت في الخطاب الأول.

الشاطر متأثرًا بفقد والدته

أما خيرت الشاطر الجد الذي لم يشهد من ميلاد أيٍّ من أحفاده الـ16 سوى نور وحبيبة، الذي سماهما بنفسه، وتشكَّلت علاقته بهم من وراء زنزانته، فلم يتهاون في ضمان التصاقهما به منذ اللحظة الأولى لميلادهما.

كل ذلك قد يبدو متوقعًا إلا الشيء الغريب الذي كان في انتظاري.. (رؤيا خيرت الشاطر في السجن).

وهي التي كان يراها الشاطر في منامه إذا ما حدث مكروه لأي من أفراد عائلته، كما حدث مع عملية "الزايدة" التي أجرتها ابنته مريم، وكذلك رؤيته بوقوع حادث السيارة لسلمان حفيده من ابنته الزهراء، والمناسبة الأهم عند وفاة والدته، وهو الخبر الذي تلقته الزهراء وعمها وهما بصحبة خيرت الشاطر في مستشفى قصر العيني؛ حيث كان يجري المسح الذري على القلب، ولا يجرؤ أحد على إبلاغه بوفاة والدته التي لم يرها منذ شهور، وأن عليه أن يتوجه في الحال إلى المنصورة لتشييع جنازتها والصلاة عليها كما أوصت قبل وفاتها، إلا أن المفاجأة كانت من نصيبهم فور إبلاغهم له؛ حيث كانت إجابته بأنه رأى وفاتها بالفعل في المنام في الليلة السابقة.

وهي الجنازة التي شهدت مشهدًا لن ينساه أبناء خيرت الشاطر مدى حياتهم، كما قال لي حسن ابنه، ففور خروج جثمان والدة الشاطر من النعش للنزول به إلى القبر إذا بخيرت ينحني على وجه والدته التي لم يكن رآها منذ شهور يقبلها، وينهار أمام الجميع في نوبة بكاء حارة على أغلى الناس في حياته.