بقلم: ناصر البنهاوي
عندما قتلت قوات الجيش السياح المكسيكيين بالخطأ لم تعلق دول العالم رحلاتها السياحية إلى مصر، على الرغم من أنه خطأ فادح بكل المقايسس.. أما نجاح داعش في تفجير الطائرة الروسية فيكفى لتعليق الرحلات الدولية إلى شرم الشيخ؛ لأن له دلالات خطيرة.
أولها أن السيسى ونظامه فشل في القضاء على الإرهاب، بل زاد الإرهاب في عهده، على الرغم من أنه شن أشرس حرب على الإرهاب عرفتها البشرية.
فقد انقلب على أول رئيس منتخب في مصر، وقتل واعتقل الآلاف، وأزال مدنًا وقرى كاملة في شمال سيناء، وحرم سيناء على المِصْريين، واشترى أعظم الطائرات والغواصات والأسلحة المتقدمة في العالم، وحظى بعشرات المليارات من الدولارات كمنح لا ترد، وضاعف مرتبات الجنود والضباط وحصنهم من المحاكمات في حالة تماديهم في استخدام القوة.. كل ذلك لم يسهم في تقليل الإرهاب بل زاده.
الإنفاق ببذخ على الجنود والضباط وتسليحهم بأفضل السلاح لم يحول دون قتل السياح المكسيكيين بالخطأ، ربما كان السبب فى قتلهم هو أن تمادى الضباط في استخدام القوة بسبب الحصانة الممنوحة لهم.
أخطاء الجيش في القتل كثيرة وآخرها إطلاق صاروخ بالقرب من طائرة مدنية بريطانية في أثناء تحليقها في سماء سيناء، وهذا هو السبب الحقيقى في إعلان بريطانيا حظر الطيران في أجواء سيناء، ورغم قيام السيسى بمضاعفة مرتبات الجيش والشرطة والقضاء، لم يصبحوا أكثر مهنية وأقل فسادًا وأكثر تفانيًا في العمل، فالإجراءات الأمنية ضعيفة جدا في مطار شرم الشيخ، وكل ما يحتاج إليه الفرد لتجاوز إجراءات التفتيش هو دفع رشوة مقدارها 15 دولارًا.
هناك أكثر من 74 خبرًا وتقريرًا صحفيًّا باللغة الإنجليزية في الصحف الدولية عن مثل هذه الرشاوى، وهناك صور لرجال مطار شرم الشيخ في أثناء حصولهم على رشوة من السياح الأجانب.. كما تداولت صحف العالم صور قيام المسئول عن جهاز مسح الأمتعة بممارسة لعبة كاندي كراش في أثناء تأدية عمله بالمطار.
مرة أخرى، الأموال التي دفعتها الدول الداعمة للانقلاب والتي ذهبت كلها للجيش، واستخدمت في رفع مرتبات الجيش وشراء أسلحة ومنظومات للأمن لم تحسن مهنية وكفاءة العسكر ومخابراته.
حادثة سقوط الطائرة الروسية لم يفضح الضباط فقط بل فضح قضاء العسكر وإعلامه وكل منظومة الانقلاب، فالدول الكبرى لا تثق في لجان التحقيق المصرية ولا قضائها، لذلك أرسلت لجان تحقيق خاصة، فعلى الرغم من أن الضحايا روس إلا أن أيرلندا وفرنسا وألمانيا أرسلت لجان تحقيق، إضافة الى اللجنة الروسية صاحبة المصيبة.
كما أن عدم مهنية إعلام العسكر وكذبه وتدليسه ظهر عندما أعلنوا أن الطائرة لم تضرب ووصلت بالسلامة، ثم قالوا إنها سقطت بسبب عطل فنى، ثم هاجموا بريطانيا لأنها ألغت الرحلات إلى شرم الشيخ للمحافظة على سلامة مواطنيها.
كارثة الطائرة الروسية فضحت قضاء وإعلام العسكر وأظهرت عدم مهنيتهما.
رغم حوادث الاغتصاب المتكررة من ضباط الشرطة للسياح الأجانب لم تحظر هذه الدول رعاياها من السفر إلى مصر.. ففي العام الماضى، اغتصب ضابط سائحة بريطانية وسط الزراعات بالأقصر، واغتصب آخر سائحة ألمانية في الغردقة، واغتصبت سائحة روسية في شرم الشيخ.. وغيرهن كثير، لكن أخذ رشوة مقابل عدم تفتيش الأمتعة في مطار دولى أشد وطأً من حوادث الاغتصاب.
فنجاح داعش في اختراق المنظومة الأمنية للمطارت الدولية في أكبر دولة عالمية فضح السيسى وقادة الانقلاب؛ لأنه أثبت أن معركته الحقيقية ليست مع الإخوان بل مع داعش، وأن القمع الذى يمارسه نظام السيسى وسد منافذ الممارسة السياسية السلمية سيغذى الاتجاهات المتطرفة لدى الشباب.
تنامى قوة داعش بينما السيسى مشغول بتصفية معارضيه السياسيين، سواء كانوا إسلاميين أو غير إسلاميين، أثبت أن السيسى أحول وسخر موارد الدولة ومعونات الدول الداعمة له لتثبيت حكمه وليس محاربة الإرهاب.
لن تقوم قائمة للسياحة المصرية في ظل حكم عسكري فاسد يغتصب السائحات ويقتلهن ويأخذ الرشوة منهن ويعبث في أمنهن، وسوف تنضب موارد الدولة من العملة الصعبة، ولن تقدم الدول الداعمة المزيد من المساعدات؛ لأن الحرب على الإرهاب تحتاج إلى القضاء على الفساد في الجيش والشرطة أولاً، ثم وضعهم تحت رقابة شعبية ثانيًا.
فتحصين الضباط من الملاحقة القضائية وزيادة مرتباتهم وسيطرتهم على القضاء والإعلام وتمكينهم من مفاصل الدولة لم يزد فقط من ممارساتهم القمعية ضد المِصْريين، بل نالت من قدراتهم القتالية وزادت فسادهم وشراهتهم إلى المال والجنس وألعاب الكومبيوتر في أثناء العمل.

