حقق عبد الله حمود، الأميركي من أصول لبنانية، فوزاً انتخابياً كبيراً بعد إعادة انتخابه رئيساً لبلدية ديربورن في ولاية ميشيغان بنسبة تقارب 72 % من الأصوات، متقدماً بفارق شاسع على منافسه.
هذا الفوز لم يكن مجرد انتصار محلّي، بل رسالة وطنية صريحة تقول إن العرب والمسلمين في الولايات المتحدة لم يعودوا مجرد كتلة صامتة أو أصوات هامشية، بل أصبحوا قوة سياسية متماسكة تمتلك رؤيتها ومشروعها وتمثيلها الذاتي.
مدينة ديربورن تُعدّ قلب الجالية العربية الأميركية، حيث يشكّل العرب أكثر من نصف سكانها تقريباً، ما جعلها رمزاً لحضور هذه الجالية في المشهد العام. لكن الجديد في فوز حمود هو أن الدعم تجاوز الدوائر العربية والإسلامية ليشمل فئات أخرى من المجتمع المحلي، وهو ما يعكس تحوّلاً نوعياً في مكانة القيادات المنتمية لهذه الجاليات داخل المشهد السياسي الأميركي.
موجة عربية-إسلامية تكتسح المشهد السياسي الأميركي
فوز حمود جاء ضمن موجة متصاعدة من القيادات العربية والمسلمة التي اخترقت المشهد السياسي الأميركي خلال الأعوام الأخيرة. فقد رسّخت رشيدة طليب، الفلسطينية-الأميركية، وجودها في الكونغرس عن ولاية ميشيغان، بينما تواصل إلهان عمر تمثيل ولاية مينيسوتا كإحدى أبرز الوجوه المسلمة في مجلس النواب. وفي الجنوب الأميركي، كتبت النائبة غزالة هاشمي التاريخ حين أصبحت أول مسلمة وأول هندية-أميركية تُنتخب نائبة حاكمة لولاية فيرجينيا في انتخابات 2025، في إنجاز وُصف بأنه "تاريخي يعيد تعريف التنوّع السياسي الأميركي".
وفي جورجيا، فازت رواء رُمان بعضوية مجلس الولاية كأول امرأة فلسطينية مسلمة تُنتخب هناك. أما في إنديانا، فصعد فادي قدّورة إلى مجلس الشيوخ المحلي، ليصبح أول مسلم فلسطيني يشغل هذا المنصب. هذه الإنجازات تترافق مع تجارب أخرى مثل عامر غالب، الطبيب اليمني الذي أصبح عمدة مدينة هامترامك المجاورة لديربورن، وبشرى عميولا، أصغر سياسية مسلمة في ولاية إلينوي.
هذه الأسماء ليست مجرد رموز تمثيلية؛ بل مؤشرات على ولادة تيار سياسي-اجتماعي عربي-إسلامي داخل الولايات المتحدة، يفرض نفسه كصوت مؤثر في النقاشات الوطنية المتعلقة بالهوية، والهجرة، والسياسات الخارجية، خصوصاً تجاه الشرق الأوسط.
تراجع نفوذ اللوبي الصهيوني أمام الصعود العربي-الإسلامي
لسنوات طويلة، كان اللوبي الصهيوني أحد أقوى شبكات النفوذ في واشنطن، قادراً على توجيه المواقف الرسمية الأميركية في ملفات الشرق الأوسط، خصوصاً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. لكن السنوات الأخيرة أظهرت تحوّلاً ملموساً: صعود الأصوات العربية والمسلمة في المشهد السياسي بدأ يخلق توازناً جديداً في ميزان التأثير.
فحين يخرج مسؤول منتخب مثل عبد الله حمود ليقول علناً إن سياسات البيت الأبيض تجاه غزة "أفقدت ثقة ملايين العرب والمسلمين"، فإن هذا الموقف لم يعد مجرّد رأي فردي، بل صوت صادر من مؤسسة حكم محلية تمثل قاعدة انتخابية معتبرة في ولاية مفصلية كميشيغان، التي تُعدّ من الولايات الحاسمة في الانتخابات الرئاسية.
حتى الحملات الانتخابية الوطنية باتت تعترف بهذا التغيّر. فقد كشفت تقارير صحفية أن حملات المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين بدأت تتواصل مع نشطاء وقيادات عربية-إسلامية سعياً لاستعادة ثقة الجاليات بعد تراجع حاد في الدعم، خصوصاً إثر الحرب الإسرائيلية على غزة في 2024.
هذا الحضور الجديد لا يعني تلاشي نفوذ اللوبي الصهيوني، لكنه بالتأكيد يحدّ من احتكاره للرواية السياسية الأميركية تجاه الشرق الأوسط. فاليوم، هناك سياسيون أميركيون من خلفيات عربية ومسلمة يقفون في المنابر الرسمية ويعبّرون عن مواقف مناهضة للاحتلال أو داعمة لحقوق الفلسطينيين من داخل النظام نفسه، لا من خارجه. إنها معادلة جديدة تُعيد تعريف حدود النفوذ داخل المؤسسة السياسية الأميركية.
تحوّل في الوعي الجمعي للجاليات العربية والمسلمة
التحوّل الذي مثّله فوز حمود وغيره ليس فقط في عدد المناصب، بل في طبيعة الوعي السياسي نفسه. فبعد عقود من التركيز على العمل التجاري والاجتماعي، دخلت الجاليات العربية والإسلامية مرحلة الوعي السياسي المنظم: التسجيل في الانتخابات، إنشاء لجان دعم وتمويل، وتشكيل جماعات ضغط قانونية ومؤسسات إعلامية تعبّر عنها.
الأجيال الجديدة التي وُلدت وتعلّمت داخل النظام الأميركي لم تعد ترى نفسها كـ«ضيوف»، بل كمواطنين كاملي الحقوق يجب أن تكون لهم حصّة في صنع القرار. هذا الوعي جعل من القيادات مثل حمود أو طليب أو هاشمي واجهات طبيعية لجيل يشعر أنه قادر على الانتخاب والترشّح والتأثير.
حتى الأحزاب الكبرى أدركت أن تجاهل هذا الصوت لم يعد ممكناً. ففي انتخابات الرئاسة المقبلة، ستكون ولايات مثل ميشيغان وجورجيا وبنسلفانيا ساحة اختبار لقوة التصويت العربي-الإسلامي، وهو ما يفسّر مساعي بعض الحملات لاستقطاب هذه الأصوات بعد موجة الغضب من مواقف واشنطن من حرب غزة.
من التمثيل الرمزي إلى التمكين الفعلي
لم يعد فوز عبد الله حمود مجرّد خبر عن عمدة مدينة؛ بل فصل جديد في تاريخ الأميركيين العرب والمسلمين. إنه انتقال من الوجود الرمزي إلى المشاركة الفعلية في صناعة القرار. التحدي المقبل ليس في الحفاظ على هذا الحضور، بل في تحويله إلى مشروع سياسي متكامل قادر على حماية مصالح الجاليات والتأثير في السياسات الخارجية والداخلية على حد سواء.
لقد بدأ ميزان القوى يتغيّر ببطء، لكن بثبات. ومن الواضح أن الولايات المتحدة تشهد ولادة صوت جديد يعبّر عن أميركيين عرب ومسلمين يرفضون التهميش، ويطالبون بأن يكونوا جزءاً من المستقبل الأميركي، لا متفرّجين عليه.

