في فضيحة جديدة تكشف حجم التواطؤ بين رجال الأعمال وسلطة الانقلاب، خرجت شعبة الاستثمار العقاري باتحاد الغرف التجارية لتشرعن تخلي المطورين عن تسليم مشروعاتهم للعملاء، وتطالب المواطنين، الذين دفعوا تحويشة عمرهم، بتحمل تكاليف الفشل الاقتصادي الذريع للحكومة. فبدلًا من حماية حقوق المواطنين وفرض احترام العقود، تحولت الشعبة إلى لوبي ضغط يدافع عن المطورين، ويبرر عجزهم عن الوفاء بالتزاماتهم بارتفاع معدلات التضخم وتحرير سعر الصرف، وهي السياسات الكارثية التي هندسها النظام نفسه وأوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس.

 

هذا البيان لا يمثل مجرد إعلان عن أزمة، بل هو إقرار رسمي بأن المواطن المصري أصبح هو الحلقة الأضعف، والمطالب دائمًا بدفع فاتورة فساد وفشل منظومة كاملة، حيث يتم ابتزازه إما بدفع أموال إضافية للحصول على حقه، أو بالانتظار إلى أجل غير مسمى، بينما أمواله محتجزة لدى مطورين يحتمون بغطاء حكومي.

 

تبرير الفشل وتحميل الضحية المسؤولية

 

يطرح المهندس داكر عبدالله، عضو شعبة الاستثمار العقاري، سردية تهدف إلى إعفاء المطورين من أي مسؤولية، ملقيًا باللوم الكامل على "الظروف الخارجة عن حساباتهم"، مثل ارتفاع سعر الدولار من 17 إلى 50 جنيهًا، وزيادة تكاليف الإنشاء أربع مرات. لكن هذه الحجة، بحسب خبراء، لا تعدو كونها تبريرًا للفشل وسوء التخطيط.

 

يعلق الخبير الاقتصادي الدكتور محسن عادل قائلًا: "منطق شعبة العقارات معيب من أساسه. أي مطور محترف يضع في دراساته هوامش للمخاطرة وتقلبات أسعار الصرف، خاصة في اقتصاد هش ومعروف بتاريخه من التعويم. القول بأن ارتفاع الدولار لم يكن في الحسبان هو إما اعتراف بالجهل المطبق أو كذب صريح. ما يحدث هو أن المطورين، الذين ضاربوا على الأراضي وحققوا أرباحًا فلكية، يريدون الآن تأمين أرباحهم بالكامل وتحميل المواطن أي خسائر محتملة".

 

ويضيف المحلل المالي إبراهيم النجار أن "هذا الطرح يضرب بفكرة العقد، وهو شريعة المتعاقدين، عرض الحائط. العقد المبرم بين المطور والعميل هو عقد إذعان من الأساس، يضع شروطًا مجحفة بحق العميل، والآن يريدون تعديل هذا العقد من طرف واحد لزيادة السعر. هذه ليست أزمة سوق، بل أزمة ثقة وأخلاق، وتشريع للاحتيال تحت غطاء حكومي".

 

وهم الربح الورقي: كيف يتم خداع العملاء؟

 

أكثر ما يثير السخرية في طرح "عبدالله" هو محاولته إقناع العميل بأنه لا يزال رابحًا، بالقول إن سعر المتر الذي اشتراه بـ 12 ألف جنيه أصبح الآن 50 ألفًا. هذا المنطق يصفه خبراء بأنه "خداع وتدليس".

 

يوضح الخبير العقاري ممدوح الوالي هذه النقطة قائلًا: "هذا ربح وهمي، ربح على الورق لوحدة لم يستلمها العميل. ما قيمته الحقيقية؟ لا شيء. لا يمكن للعميل بيع هذا (الربح) أو الاستفادة منه. هو مجرد رقم نظري يستخدم لابتزاز العميل ودفعه لقبول الشروط الجديدة. المطور يحتجز أموال العميل كرهينة، ثم يخبره بأنه رابح ويجب أن يدفع المزيد ليحصل على (ربحه) المزعوم. إنها حلقة مفرغة من الاستغلال".

 

وتضيف الدكتورة هبة الليثي، أستاذة الاقتصاد، أن "هذه المقارنة بين سعر الشراء وسعر السوق الحالي مضللة، لأنها تتجاهل أن قيمة النقود نفسها تآكلت بشكل مرعب بسبب التضخم الذي تسبب فيه النظام. المواطن الذي دفع 12 ألف جنيه للمتر كان يشتري بقيمة شرائية أعلى بكثير من قيمة الـ 50 ألف جنيه اليوم. فعليًا، هو خاسر في كل الأحوال".

 

غياب الدولة وحماية لوبي الأقوياء

 

تطرح شعبة العقارات "حلولًا" هي في جوهرها خيارات بين السيئ والأسوأ: إما أن يدفع العميل فارق التكلفة، أو يوافق على مد فترة التسليم إلى أجل غير مسمى. هذه ليست حلولًا، بل هي فرض للأمر الواقع.

 

يحلل الدكتور عمرو هاشم، أستاذ علم الاجتماع السياسي، المشهد قائلًا: "نحن أمام تجلٍ واضح لطبيعة النظام الحالي. لا توجد دولة تحمي المواطن، بل توجد سلطة تحمي مصالح طبقة رجال الأعمال والمطورين المرتبطين بها. اتحاد الغرف التجارية، الذي من المفترض أن يوازن السوق، يعمل كذراع للمطورين. وغياب أي تدخل من جهاز حماية المستهلك أو رئاسة الوزراء يؤكد أن ما يحدث يتم بمباركة رسمية".

 

ويختتم: "في دولة طبيعية، يُجبر المطور المتعثر على الالتزام بعقده، أو تتم تصفيته وإسناد المشروع لشركة أخرى قادرة، مع تعويض العملاء. لكن في مصر، يُكافأ المطور الفاشل ويُعاقب العميل الملتزم. إنها معادلة مقلوبة تعكس انهيار مفهوم الدولة وسيادة القانون، وتحولها إلى مجرد راعٍ لمصالح شبكة صغيرة من المنتفعين على حساب شعب بأكمله".