تتصاعد أزمة الأدوية المغشوشة ومجهولة المصدر عبر الإنترنت ومواقع التواصل في مصر، وسط ما يصفه صيادلة ومراقبون بتجاهل حكومي يهدد صحة الملايين. فبينما يروج المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة لإعداد تشريع خاص لتنظيم الصيدليات الإلكترونية ومشروع "الجينوم" كحلول مستقبلية، يؤكد الخبراء والنقابيون أن الأزمة لا تكمن في نقص التشريعات بل في غياب الإرادة لتنفيذ القوانين القائمة، مما حوّل تجارة الدواء الإلكترونية إلى "بيزنس" بمليارات الجنيهات فوق القانون، بلا رقابة على المصدر أو الجودة أو التسعير.
يأتي هذا الانفلات في وقت يحذر فيه الصيادلة من أن بيع الدواء خارج الصيدليات المرخصة جريمة قانونية واضحة، متسائلين عن الجهات التي تحمي هذه الكيانات الإلكترونية وتوفر لها الغطاء للاستمرار رغم التحذيرات المتكررة. وفيما يلي تفاصيل الأزمة وآراء الخبراء حول أبعادها الكارثية.
القانون موجود.. والإرادة غائبة
يرى الدكتور ثروت حجاج، عضو مجلس نقابة الصيادلة، أن بيع الدواء عبر أي وسيلة غير الصيدليات المرخصة جريمة واضحة بنص قانون الصيدلة الحالي، الذي يحصر تداول الدواء داخل المؤسسات الصيدلية فقط. ويؤكد حجاج أن النقابة ناشدت المسؤولين مرارًا للتدخل قبل أن تتفاقم الأزمة، لكن الحكومة لم تتحرك إلا بعد وقوع كوارث صحية واقتصادية، متسائلًا عن "الجهات التي تقف خلف هذه الكيانات التي تتصرف وكأنها فوق القانون".
وفي السياق ذاته، يشدد الدكتور محمد الشيخ، نقيب صيادلة القاهرة، على أن قوانين مزاولة المهنة تجرّم بوضوح بيع الأدوية عبر التطبيقات، وأن ما يحدث هو التفاف على القانون تحت مسمى "التجارة الإلكترونية". ويضيف الشيخ أن الحل ليس في قوانين جديدة قد تزيد التعقيد، بل في تفعيل الضبطية القضائية وتطبيق العقوبات الرادعة فورًا على المخازن والصفحات الوهمية التي باتت معروفة للجميع.
ويشير حجاج إلى أن غياب الرقابة يطرح تساؤلات حول التزام هذه المنصات بقرارات سحب التشغيلات المغشوشة أو غير المطابقة للمواصفات، مما يجعل المريض فريسة لأدوية قد تكون قاتلة أو عديمة الفاعلية.
"الجينوم" والتشريعات.. حلول أم مسكنات؟
في المقابل، يدافع حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، عن تحركات الوزارة، مشيرًا إلى العمل على تشريع لتنظيم الصيدليات الإلكترونية ومشروع "الجينوم" لتحديد الدواء الأنسب لكل مريض، محذرًا من خطورة أدوية التخسيس مجهولة المصدر.
لكن الدكتور جورج عطا الله، عضو مجلس نقابة الصيادلة، يرى أن الحديث عن مشاريع مستقبلية مثل الجينوم بينما السوق يغرق في الأدوية المغشوشة الآن هو نوع من "الهروب للأمام". ويؤكد عطا الله أن الأولوية القصوى يجب أن تكون لغلق "حنفية التهريب والغش" عبر الإنترنت، لأن الدواء سلعة خاصة جدًا لا تحتمل التجريب أو العشوائية، وأي تأخير في الحسم يدفع ثمنه المريض من صحته.
من جانبه، يكشف الدكتور محمود فؤاد، مدير مركز الحق في الدواء، عن وجود تشريع جديد انتهى منه مجلس الدولة يتضمن عقوبات بالحبس لمواجهة الصفحات المجهولة والمخازن غير المرخصة. ويرى فؤاد أن هذا التشريع خطوة حاسمة لوقف "بيزنس" المصالح الذي يشارك فيه بعض الأطباء والصيادلة للترويج لأدوية شركات بعينها.
"استغلال الغلابة".. تجارة بمليارات بلا رقيب
يحذر ثروت حجاج من أن إصدار تشريع جديد قد يفتح بابًا لتقنين أوضاع كيانات مخالفة بدلًا من ردعها، داعيًا إلى تغليظ العقوبات الحالية ووقف ما وصفه بـ"استغلال الغلابة" من قبل مرتزقة يتاجرون بآلام المرضى. ويؤكد أن الدولة قادرة على فرض الانضباط "إذا أرادت"، مشيرًا إلى أن الأدوية الوصفية (التي تحتاج روشتة) تمثل 80% من السوق ولا يجوز تداولها كسلع استهلاكية عادية.
ويتفق معه الدكتور محفوظ رمزي، رئيس لجنة التصنيع الدوائي بنقابة الصيادلة، الذي يرى أن التطبيقات الإلكترونية تحولت إلى "سوق موازٍ" يضرب اقتصاديات الصيدليات الرسمية الملتزمة بالضرائب والرقابة، وفي الوقت نفسه يهدد الأمن الدوائي القومي. ويطالب رمزي بضرورة معاملة الدواء كسلعة أمن قومي، وعدم تركه نهبًا لقوانين العرض والطلب الإلكترونية التي لا تفرق بين المكمل الغذائي والدواء المنقذ للحياة.
ختامًا، تُجمع الآراء النقابية على أن الأزمة ليست فنية أو قانونية بقدر ما هي أزمة رقابية وإدارية، وأن استمرار الصمت الحكومي تجاه "مافيا الدواء الإلكتروني" يعني مزيدًا من الضحايا ومزيدًا من الأرباح غير المشروعة على حساب صحة المصريين.

