بينما يكتفي العالم بإصدار بيانات القلق والتحذير، يواجه سكان قطاع غزة فصلاً جديداً من الموت البطيء، ولكن هذه المرة ليس بالقصف وحده، بل بالبرد والمياه التي أغرقت خيامهم البالية. مفوض وكالة "الأونروا" أطلق صرخة تحذير جديدة، مؤكداً أن النازحين يعيشون في خيام مغمورة بالمياه، وسط شح كارثي في المساعدات التي لا تصل بالكمية المطلوبة لإنقاذ ما تبقى من حياة.

 

هذه المأساة الإنسانية تتزامن مع منخفض جوي قاسٍ ضرب مناطق المواصي وخان يونس، محولاً ملاجئ النازحين الهشة إلى برك طينية، ليتضاعف عذاب أسر فقدت بيوتها وأحباءها، واليوم تفقد حتى "الستر" الذي توفره خيمة من قماش مهترئ. وفي مشهد إقليمي مضطرب، وبينما يغرق الغزيون في مياه الأمطار، تشهد مدن الساحل السوري حراكاً شعبياً يواجه بالقمع، في صورة تعكس حالة الغليان وعدم الاستقرار التي تعصف بالمنطقة، وتزيد من تهميش المأساة الفلسطينية المستمرة.

 

غزة تحت الماء.. عندما يصبح الشتاء عدواً

 

كشفت وسائل الإعلام الفلسطينية عن مشاهد مروعة لغرق عدد كبير من خيام النازحين في مناطق مختلفة من القطاع، خاصة في مواصي خان يونس التي تؤوي مئات الآلاف. الأمطار الغزيرة التي هطلت لم تجد أسقفاً إسمنتية تصدها، بل وجدت قماشاً ممزقاً وأجساداً أنهكها الجوع والحصار، لتتحول ليالي الشتاء إلى كابوس مرعب للأطفال والنساء الذين باتوا ينامون في العراء عملياً.

 

تحذير "الأونروا" من أن الخيام "بالية ومغمورة" ليس مجرد توصيف للحال، بل هو إدانة للمجتمع الدولي الذي فشل في إدخال أبسط مقومات الإيواء (الشوادر والملابس الشتوية) إلى قطاع محاصر. الحصار المطبق يحول الظواهر الطبيعية المعتادة (كالأمطار) إلى كوارث مميتة، حيث تختلط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي في ظل انهيار البنية التحتية، مهددة بانتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة وسط مخيمات تفتقر لأدنى شروط النظافة والتدفئة.

 

صرخات من الساحل السوري.. قمع المظاهرات السلمية

 

وبعيداً عن غزة، ولكن في نفس دائرة الألم والاضطراب، شهدت مدن الساحل السوري (طرطوس، اللاذقية، بانياس) حراكاً احتجاجياً لافتاً. نشطاء نظموا وقفات للمطالبة بالإفراج عن الموقوفين، وتلبية لدعوات تطالب بالحقوق المدنية والسياسية، ووصلت سقف المطالب إلى "الفيدرالية".

 

إلا أن هذا الحراك السلمي قوبل بقبضة أمنية وعنف من قبل ما يسمى بلجان "السلم الأهلي" ومؤيدي السلطة الانتقالية. المرصد السوري وثق اعتداءات في حي القصور ببانياس ودوار الزراعة باللاذقية ومدينة جبلة وحمص، حيث تم ضرب المتظاهرين واعتقالهم ومنع توثيق الانتهاكات. هذا المشهد يعكس استمرار عقلية "الحل الأمني" في التعامل مع المطالب المشروعة، ومحاولة خنق أي صوت يطالب بالتغيير أو الحرية، حتى في المناطق التي كانت تعتبر هادئة نسبياً.

 

بين غزة وسوريا.. المعاناة واحدة والفاعل متعدد

 

الرابط بين مشهد الخيام الغارقة في غزة والمظاهرات المقموعة في سوريا هو "غياب العدالة" و"هشاشة الإنسان" في هذه المنطقة. ففي غزة، يُترك الإنسان وحيداً يواجه الطبيعة والاحتلال بصدور عارية وخيام ممزقة، بينما تُغلق المعابر وتُقنن المساعدات بقرار سياسي ظالم. وفي سوريا، يُضرب المتظاهر السلمي الذي يطالب بالحرية والمعتقلين، وتُجيش ضده "اللجان" لقمع صوته.

 

في الحالتين، يدفع المدنيون الأبرياء الثمن الأبهظ لصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل. فسكان غزة لم يختاروا الحرب والحصار، وسكان الساحل السوري لم يختاروا القمع والفساد. وبينما تتجه الأنظار إلى السياسة والتحالفات، يغرق طفل في وحل خيمته بخان يونس، ويُعتقل شاب نادى بالحرية في بانياس، ليبقى السؤال المعلق: متى ينتهي هذا الليل الطويل الذي يغطي سماء المنطقة من البحر إلى النهر؟