في حلقة جديدة من مسلسل "التجويع الممنهج" الذي تمارسه سلطة الانقلاب ضد الشعب المصري، استيقظت محافظات الجمهورية على أزمة حادة في توافر "زيت الطعام"، السلعة الاستراتيجية التي لا يخلو منها بيت. وبينما تقف ربات البيوت في طوابير اليأس بحثًا عن زجاجة زيت، تخرج الحكومة ببيانات "انفصالية" تتحدث عن وفرة المخزون وتكذب أعين المواطنين، في مشهد عبثي يؤكد أن النظام الحالي لا يجيد إدارة الأزمات بقدر إجادته لإنكارها.

 

الأزمة التي اشتعلت شرارتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لم تكن مجرد "شائعات" كما تروج الأذرع الإعلامية، بل هي واقع مرير وثقته شكاوى المواطنين من اختفاء الزيت التمويني والحر في عدة مناطق، بالتزامن مع قفزات جنونية في الأسعار جعلت من "قلي البطاطس" رفاهية لا يقدر عليها سوى الأثرياء.

 

اختفاء وغلاء.. "الزيت" لمن استطاع إليه سبيلاً

 

تشير التقارير الميدانية وما يتم تداوله شعبيًا إلى نقص حاد في كميات الزيت المطروحة في المجمعات الاستهلاكية ولدى "البقالين"، خاصة الأصناف المدعمة التي يعتمد عليها السواد الأعظم من الشعب. وفي المقابل، شهدت السوق الحرة انفلاتًا سعريًا غير مسبوق، حيث سجلت أسعار زيوت الذرة وعباد الشمس زيادات يومية متتالية خلال شهر ديسمبر الجاري، ليتجاوز سعر اللتر 115 جنيهًا في بعض المناطق، وسط غياب تام للرقابة التموينية.

 

هذا الارتفاع الجنوني يأتي رغم المزاعم الحكومية بتراجع سعر الدولار وتوافر الاعتمادات المستندية، مما يفضح أكذوبة "الإصلاح الاقتصادي" ويكشف أن الأسواق تدار بمنطق "الاحتكار" الذي ترعاه الدولة أو تغض الطرف عنه لصالح حيتان التجار.

 

الحكومة: "كله تمام".. والمواطن: "البيوت خربت"

 

كعادتها في كل كارثة، سارعت الحكومة عبر مركزها الإعلامي ووزارة التموين لنفي وجود أزمة، مؤكدة أن "الاحتياطي الاستراتيجي يكفي لـ 6 أشهر". لكن هذه التصريحات اصطدمت بصخرة الواقع؛ فكيف يكفي الاحتياطي بينما الأرفف خاوية؟ ولماذا تطرح الوزارة عبوات جديدة (1.5 لتر بسعر 56 جنيهًا) كحل بديل إذا كانت العبوات الأساسية متوفرة؟

 

حتى البرامج المحسوبة على النظام لم تستطع تجاهل الأزمة بالكامل، حيث شهدت نقاشات ساخنة بين المسؤولين وممثلي الغرف التجارية الذين اعترفوا بوجود "تحديات"، وهو تعبير مخفف للكارثة.

 

(مقطع فيديو لنقاش حول أزمة الزيت يكشف تخبط المسؤولين).

 

غضب إلكتروني.. "مش لاقيين ناكل"

 

على منصات التواصل الاجتماعي، تحول "فيسبوك" و"إكس" (تويتر سابقًا) إلى دفتر عزاء يومي للأحوال المعيشية. دشن النشطاء وسومًا تنتقد فشل وزير التموين وحكومة الانقلاب في توفير أبسط مقومات الحياة. التعليقات على بيانات وزارة التموين التي تتحدث عن "طرح كميات إضافية" جاءت لتعري النظام، حيث أكد المواطنون في محافظات الدلتا والصعيد أن "الزيت غير موجود إلا في التصريحات التلفزيونية".

 

فشل اقتصادي مركب

 

أزمة الزيت ليست حدثًا عارضًا، بل هي عرض لمرض عضال أصاب الاقتصاد المصري تحت حكم العسكر. الاعتماد المفرط على الاستيراد لتوفير 95% من احتياجات الزيوت، مع الفشل في توفير العملة الصعبة أو دعم الزراعات الزيتية المحلية، وضع رقبة الأمن الغذائي المصري تحت مقصلة الأسواق العالمية.

 

بدلاً من دعم الفلاح لزراعة عباد الشمس والصويا، انشغل النظام ببيع الأراضي وتجريف الرقعة الزراعية، لتكون النتيجة اليوم: شعب يبحث عن "نقطة زيت"، وحكومة لا تملك سوى "نقطة حياء" مفقودة وهي تبرر فشلها.

 

خاتمة: إلى متى؟

 

إن استمرار أزمة السلع الأساسية، من السكر إلى البصل وصولاً إلى الزيت، يؤكد أن مصر تواجه خطر "المجاعة المقنعة". حكومة السيسي التي تعد المصريين بـ"الجمهورية الجديدة"، لم تنجح إلا في إعادتهم لعصور "طوابير الجمعية" والبحث عن القوت اليومي بشق الأنفس.