في خطوة جديدة تؤكد انفصال السلطة عن واقع الشعب، خرج قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ليزف للمصريين "بشرى" إنشاء "أكبر مدينة إعلامية في العالم" بالعاصمة الإدارية الجديدة، واعداً بإنجازها في ثلاث سنوات.

 

يأتي هذا الإعلان الاستعراضي في وقت يئن فيه المواطن تحت وطأة الفقر والغلاء، وكأن المكافأة الوحيدة التي يقدمها النظام لشعب "صبر وتحمل" هي المزيد من الحجارة والخرسانة، في حين تفتقر البطون للجوعى والمستشفيات للدواء. إنه تجسيد حي لسياسة "الأولويات المقلوبة"، حيث يُنفق المال العام على "الشو" الإعلامي بينما تتهاوى أساسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية.

 

سفه الإنفاق في "زمن الألم": مدينة للأشباح

 

أثار الإعلان موجة غضب وسخرية واسعة بين المصريين، الذين يرون في المشروع الجديد "استفزازاً" غير مبرر في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة.

 

•  حسرة بدل الفرحة: كما عبر المحاسب أسامة أبو الدهب، يستقبل المواطنون أخبار هذه الإنشاءات الضخمة بالحسرة، متسائلين عن جدوى بناء "ساعة بيج بن" أو "أوبرا" أو "مدينة إعلام" بينما يعجزون عن توفير قوت يومهم.

 

•  غياب فقه الأولويات: في العرف الاقتصادي والإداري السليم، يُعد الإنفاق على الترفيه والخدمات غير الضرورية في أوقات الأزمات "سفهاً" يستوجب الحجر على فاعله، سواء كان رب أسرة أو رئيساً لدولة تطالب شعبها بـ"تحمل الألم" بينما تبعثر ملياراته في الصحراء.

 

الوهم الاستعراضي: مدينة بلا روح ولا محتوى

 

يُجمع المنتقدون على أن المشروع ليس سوى "فقاعة" دعائية جديدة تضاف لسجل النظام الحافل بالمشاريع عديمة الجدوى.

 

•  أزمة عقول لا مبانٍ: المشكلة الجوهرية في الإعلام المصري ليست في نقص الاستوديوهات أو الكاميرات، بل في غياب الحرية، وهيمنة العقلية الأمنية، وتصدر "مناديب الإعلانات" للمشهد بدلاً من الكفاءات. فما الفائدة من بناء "مدينة عالمية" إذا كانت العقول التي تديرها لا تنتج سوى التطبيل؟

 

•  تكرار الفشل: مصر تمتلك بالفعل "مدينة الإنتاج الإعلامي" في 6 أكتوبر، والتي أنشئت بمليارات ولم تحقق الريادة العالمية المزعومة، بل تحولت إلى عبء مالي ساهم في "خرب بيت ماسبيرو"، كما أشار الدكتور حسن علي. فلماذا تصر الدولة على "حرث البحر" وتكرار التجربة الفاشلة بدلاً من إصلاح ما هو قائم؟

 

هروب للأمام: تغطية على الفشل السياسي

 

يرى مراقبون أن توقيت الإعلان ليس بريئاً، بل هو محاولة لصرف الأنظار عن الأزمات السياسية والشرعية التي تلاحق النظام.

 

•  ساتر دخان: يأتي المشروع وسط تشكيك واسع في نزاهة الانتخابات البرلمانية لعام 2025، والحديث عن تزوير فج في الدوائر. في هذا المناخ الموبوء، يحاول النظام اختراع "إنجاز" وهمي لرفع المعنويات والإيحاء بأن الدولة تتقدم وتدخل عصراً جديداً، بينما الواقع يشهد تآكلاً في الثقة وشرعية المؤسسات.

 

•  ديون جديدة: كما علق حساب "ثورة المفاصل"، فإن هذه المليارات التي "تُرمى في الأرض" ستتحول إلى ديون جديدة يدفع ثمنها الشعب والأجيال القادمة، وربما تكون مقدمة لبيع أصول الدولة للأجانب أو "الكيان" عند العجز عن السداد.

 

أصوات العقل: "ابنوا بشراً لا حجراً"

 

توالت ردود الفعل الرافضة من نخبة من المتخصصين والمواطنين، مؤكدين أن مصر بحاجة لإصلاح المسار لا لبناء الجدران.

 

•  علياء المهدي: "الفكرة مش في المبنى الجديد ولكن في العقل اللي بيفكر... غيروا العقول التي تدير الإنتاج الإعلامي... واسمحوا بمزيد من الحريات".

 

 

•  يحيى علام: "كفاية نبني مدن بجد! عايز نبني بني آدمين... فين التعليم والصحة والأكل والشرب؟".

 

 

•  محمد الشريف: تساءل باستنكار عن "بوصلة الحكومة" المفقودة، مؤكداً أن الحكومات الرشيدة لا تدير استوديوهات سينما، فلا توجد حكومة تمتلك هوليوود أو بوليوود.

 

 

•  طارق سلامة: وصف المشروع بـ"الكابوس"، مشيراً إلى أن العالم يتجه للذكاء الاصطناعي بينما النظام غارق في "سبوبة المقاولات"، ومذكراً بأن المدينة القديمة كانت "سبوبة لصفوت الشريف" وأهدرت المليارات.


 

 

•  حسن علي: تساءل: ماذا سنفعل بمدينة الإنتاج الاعلامي بالسادس من أكتوبر التي ( خربت بيت ماسبيرو) وديونها ما تزال قيد السداد.. ثم ما الحاجة لهذه المدينة الآن ؟

مضيفًا: " لو عندك فائض مال؛ صحح به اوضاع ماسبيرو.. او ادعم به المؤسسات الصحفية الثمان التي تقاتل من أجل البقاء على قيد الحياة .!

لو عندك فائض ..؛ انفقه على وكالة انباء الشرق الأوسط التي (تعافر ) ببسالة ضد شخوخة تعطلها عن أداء عملها".

 

 

استعراض القوة في الوقت الضائع

 

إن "مدينة الإعلام العالمية" التي يبشر بها السيسي ليست سوى محاولة يائسة للقفز على الواقع المرير، ورسالة مفادها أن النظام مستمر في سياساته الانفصالية عن هموم الناس. فبينما يحلم "المنقلب" بأكبر مدينة في "المجرة"، لا يحلم المواطن المصري سوى بلقمة عيش كريمة ووطن يحترم عقله وإنسانيته، بعيداً عن أوهام "الفناكيش" والمدن الخرسانية الباردة.