تحوّل سجن المنيا إلى بؤرة تهدد الحق في الحياة لآلاف السجناء، بعد تصاعد شهادات وتقارير حقوقية تؤكد أن العلاج داخل السجن أصبح مرهونًا بقرار أمني صادر عن ضابط الأمن الوطني، بينما تتعامل إدارة السجن مع الحالات المرضية بمنطق إداري وأمني بحت، لا يمت بصلة إلى الطب أو حقوق الإنسان.

 

خلال شهر واحد فقط، وثقت الشبكة المصرية وفاة ثلاثة معتقلين داخل السجن، جميعهم كانوا يعانون من أمراض خطيرة تستوجب رعاية عاجلة. لكن بدلاً من تقديم العلاج، واجه هؤلاء المعتقلون سلسلة من العراقيل الأمنية والإدارية التي انتهت بموتهم داخل أسوار السجن، ما أثار حالة واسعة من الغضب والاستنكار، وطرح سؤالًا جوهريًا: من يحاسب المسؤولين عن هذا الإهمال الطبي القاتل؟

 

تحويل العلاج إلى “قرار أمني”

 

لم تعد صعوبة تلقي العلاج في سجن المنيا مجرد خلل إداري أو ضعف في التجهيزات الطبية؛ بل تحوّل الأمر إلى سياسة ممنهجة، محورها الأساسي: “موافقة الأمن الوطني”.

 

وفق شهادات نقلتها أسر معتقلين ومحتجزين سابقين، أصبح الرد الثابت من مأمور السجن ورئيس مباحثه على أي محاولة لإحالة سجين إلى مستشفى خارجي هو: “هذا الأمر يحتاج إلى موافقة ضابط الأمن الوطني… وليس بأيدينا شيء.”

 

هذا الرد، الذي بات قاعدة ثابتة، لا يعكس فقط انعدام المسؤولية القانونية، بل يضع حياة السجناء بالكامل تحت سيطرة جهة أمنية لا تمتلك التخصص الطبي ولا تُسأل أمام القضاء أو الرأي العام عن قراراتها.

 

وفيات يمكن منعها… لكن العلاج ممنوع

 

الوفيات الثلاث التي رُصدت خلال شهر واحد ليست حوادث عابرة ولا استثناءات، بل هي نتائج مباشرة لسياسة تعطيل العلاج، ويمكن تلخيص نمطها كالتالي:

  1. إهمال طبي متعمّد

    حالات مرضية خطرة – بعضها مزمن وبعضها حاد – تُترك دون علاج أو متابعة، رغم وجود تقارير طبية تطالب بنقلها فورًا إلى مستشفيات خارجية.

     
  2. تعطيل وصول المرضى للمستشفيات

    حتى حين تُقرر إدارة السجن – نادرًا – نقل مريض للخارج، فإن عربات الترحيل تتعمد الخروج في وقت متأخر جدًا، ما يؤدي إلى وصول المرضى بعد انتهاء المواعيد بالمستشفيات الحكومية، فتعود البعثة بلا علاج.

     
  3. تأجيل الفحوصات والتحاليل

    يحتاج المريض إلى أشعة أو تحاليل، لكن كل خطوة تتطلب سلسلة إجراءات بطيئة تمتد لأسابيع، ما يجعل الحالة تتدهور وتصل إلى مرحلة الخطر.

     
  4. غياب التخصصات الطبية داخل السجن

    مستشفى سجن المنيا تفتقر إلى تخصصات القلب والجهاز الهضمي وأمراض الصدر والجراحة، ومع ذلك يُمنع إرسال المرضى إلى مستشفيات خارجية إلا بعد “الموافقة الأمنية”.

 

عراقيل إدارية تُحوّل المرض إلى عقوبة

تسود داخل السجن منظومة كاملة من التعطيل، منها:

  • رفض إدخال الأدوية التي تجلبها أسر المعتقلين.
  • تغيير مواعيد الكشوف الطبية دون إبلاغ المرضى.
  • إبقاء المرضى في الزنازين بدل نقلهم للمستشفى الداخلي الضعيف أساسًا.
  • رفض إجراء الإسعافات الأولية للحالات الطارئة إلا بعد إجراءات مطوّلة.

هذه الممارسات، وفق توصيف حقوقيين، ليست مجرد إهمال، بل إيذاء غير مباشر يؤدي في كثير من الأحيان إلى وفاة المرضى.

 

مسؤوليات قانونية ودستورية يجري تجاهلها

تؤكد الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أن ما يحدث في سجن المنيا يمثل:

  • انتهاكًا للدستور الذي يكفل الحق في العلاج.
  • مخالفة صريحة لقانون تنظيم السجون الذي يحمّل الإدارة المسؤولية الكاملة عن حياة المحتجزين.
  • خرقًا للمعايير الدولية مثل قواعد مانديلا التي تحظر الإهمال الطبي وتعتبره شكلًا من أشكال المعاملة القاسية وغير الإنسانية.

وبحسب هذه المواثيق، فإن أي تقصير في تقديم الرعاية الصحية داخل السجون يُعد مسؤولية مباشرة على عاتق السلطات الأمنية، التي تُحاسَب على أي وفاة كان يمكن منعها.

 

جرس إنذار مدوٍّ

 

إن وفاة ثلاثة معتقلين خلال شهر واحد فقط يجب أن تُقرأ باعتبارها رسالة خطيرة تشير إلى انهيار منظومة الرعاية الطبية داخل سجن المنيا، وتحوّل المرض إلى تهديد مباشر للحياة، بدلاً من أن يكون حالة لها حق العلاج.

 

وتشير الشبكة المصرية إلى أن هذه الحالات ليست سوى أمثلة، وأن هناك العشرات من المرضى داخل السجن يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة، ينتظرون نفس المصير إذا استمرت هذه السياسة بلا رقابة ولا مساءلة.

 

دعوة عاجلة للتحقيق والمحاسبة

 

تطالب الشبكة المصرية لحقوق الإنسان بفتح تحقيقات مستقلة وفورية في:

  • أسباب الوفيات الثلاث خلال الشهر الأخير
  • دور ضباط الأمن الوطني في تعطيل العلاج
  • مسؤولية إدارة السجن عن المخالفات الطبية
  • مدى مطابقة السجن للمعايير الصحية والإنسانية

 

كما تشدد على تحميل السلطات الأمنية  المسؤولية الكاملة عن حياة جميع المعتقلين المحتجزين، باعتبارهم تحت ولاية الدولة، وواجبها القانوني والأخلاقي هو حماية حياتهم، وليس تركهم يواجهون الموت داخل الزنازين.

 

https://www.facebook.com/ENHR2021/posts/860990136282047?ref=embed_post