في سابقة خطيرة تكشف عن عمق الفجوة وتضارب المصالح بين الأجهزة السيادية في مصر، طفى على السطح مؤخراً تسريب صوتي ومرئي منسوب لمجموعة محادثات خاصة بقيادات عليا في وزارة الدفاع (جروب لواءات)، ليعيد للأذهان مشهد "دولة الجيش" التي لا تخضع لسلطة القانون المدني أو حتى الشرطي.
التسريب الجديد يزيح الستار عن التعليمات المباشرة والتحركات العسكرية التي صاحبت واقعة حصار قوات الجيش لقسم شرطة ثالث الإسماعيلية، وهي الواقعة التي لم تكن مجرد مشاجرة عابرة، بل تحولت إلى استعراض قوة عسكري ضد وزارة الداخلية، واضعاً البلاد أمام مشهد عبثي يصفه المراقبون بـ "صراع العصابات" الذي يدفع ثمنه سيادة القانون وهيبة الدولة المزعومة.
تسريب من داخل جروب لواءات وزارة الدفاع بخصوص واقعة حصار الجيش لقسم ثالث #الإسماعيلية. ضابط جيش تشاجر في قسم شرطة في #الاسماعيلية واعتدى على ضابط مباحث وكسر ذراعه. رد الأمناء في القسم بضرب ضابط الجيش المعتدي وكسر ذراعه، فتحركت قوات الجيش وحاصرت القسم. معلش اخونا بتوع الشرطة… pic.twitter.com/fWNUjRuHuN
— المجلس الثوري المصري (@ERC_egy) December 17, 2025
شرارة الأزمة: ضابط الجيش "المقدس" والقانون الغائب
بدأت تفاصيل الواقعة التي هزت الأوساط الأمنية، بمشادة كلامية داخل أروقة قسم شرطة ثالث الإسماعيلية. بطل الواقعة ضابط جيش، تعامل بفوقية مع ضابط مباحث القسم، متجاوزاً الإجراءات القانونية المعتادة. تطور الأمر سريعاً من تراشق لفظي إلى اشتباك بالأيدي، حيث بادر ضابط الجيش بالاعتداء على ضابط المباحث متسبباً في كسر ذراعه.
هذا الاعتداء السافر دفع أمناء الشرطة وأفراد القوة المتواجدة بالقسم إلى التدخل للدفاع عن رئيسهم، متناسين للحظة "الحصانة غير المكتوبة" التي يتمتع بها ضباط الجيش في مصر. وتعاملت قوة القسم مع المعتدي بمبدأ الندية، ما أدى إلى إصابته وكسر ذراعه هو الآخر، في مشهد كسر القواعد العرفية التي رسخها النظام الحالي بأن "الجيش خط أحمر" حتى في حال ارتكاب أفراده لجرائم جنائية واضحة.
فضيحة
— Dr. 😷 NouR Eldein A. 💉🔬Egyptian Immigrant (@DRofficial_NR21) December 17, 2025
خاص .. ضرب ظابط جيش فى قسم الإسماعيلية وحصار الجيش للقسم و وزير الداخلية... https://t.co/c5HZ7Kizb9 via @YouTube
اسمعوا الفيديو للاخر علشان تتحسروا اكثر علي حال مصر وتلعنوا العسكر سواء جيش أو شرطة، الضابط المضروب في الستشفي لأنه أنضرب علقة موت علي يد مأمور القسم،
الرد العسكري: معركة وحصار بالمدرعات
لم تمر الواقعة كحادث جنائي يتم التحقيق فيه، بل اعتبرتها قيادة الجيش "إهانة للمؤسسة العسكرية". ووفقاً للتسريبات وما وثقته مقاطع الفيديو، تحول محيط قسم ثالث الإسماعيلية إلى ساحة لما يشبه "المعركة الحربية"، حيث تحركت وحدات من الشرطة العسكرية مدعومة بقوات من قيادة الجيش الثاني الميداني لتفرض طوقاً أمنياً وحصاراً كاملاً. المشهد أظهر مدرعات الجيش وهي توجه فوهاتها صوب مبنى الشرطة في رسالة ترهيب واضحة، واصفين الأمر بأنه "معركة بين الجيش والشرطة"، حيث لم يكتفِ الجيش بالحصار، بل اقتحمت القوات القسم وانتزعت السيطرة عليه، في خطوة ألغت تماماً ولاية وزارة الداخلية على مقراتها، مؤكدين أن كرامة ضابط الجيش تعلو فوق أي اعتبار قانوني.
كواليس التسريب: تعليمات "لواءات الظل"
التسريب الخطير الذي خرج من داخل "جروب لواءات وزارة الدفاع"، وتضمن مقاطع فيديو وتعليمات صوتية، كشف عن العقلية التي أدارت الأزمة. يظهر في التسريبات توجيهات صارمة من قيادات بضرورة "تأديب" جهاز الشرطة. التعليمات لم تقتصر على فك الحصار، بل تضمنت أوامر مباشرة بالقبض على مأمور القسم ونائبه، واقتيادهم كأسرى حرب وليس كمتهمين، ليتم تحويلهم فوراً إلى النيابة العسكرية والمحاكمة العسكرية. الفيديو المسرب أظهر بوضوح كيف يتعامل قادة الجيش مع الشرطة باعتبارهم "مواطنين درجة ثانية" أو تابعين لا يملكون حق الرد، حيث تم توبيخ قيادات الداخلية وإصدار الأوامر باعتقالهم دون الرجوع لوزير الداخلية أو النائب العام، في تغييب تام لدولة المؤسسات.
صراع الأجنحة والخاتمة
يُسلط هذا الحدث الضوء على توصيف دقيق للحالة المصرية الراهنة، وهو ما عبر عنه النشطاء بعبارة "عصابتين واتخانقوا". فالواقعة لا تمثل تطبيقاً للقانون من أي طرف؛ ضابط الجيش اعتبر نفسه فوق القانون واعتدى، والشرطة تعاملت بمنطق "الفتوة" وردت الاعتداء. تنتهي الواقعة بتحويل ضباط الشرطة للمحاكمة العسكرية، بينما يخرج ضابط الجيش المعتدي في صورة "البطل" الذي انتصرت له مؤسسته.
يبقى التسريب دليلاً دامغاً على أن مصر تدار عبر "مجموعات واتساب" وتعليمات فوقية تتجاوز الدستور، وأن الصدام بين الجيش والشرطة هو قنبلة موقوتة تنفجر كلما تضاربت المصالح الضيقة لضباط الجانبين.

