رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيّز التنفيذ في 11 أكتوبر 2025، إلا أن الوقائع الميدانية والبيانات الرسمية تشير إلى استمرار الخروقات الإسرائيلية بوتيرة متصاعدة، ما أسفر عن سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى، في وقت تتفاقم فيه الأوضاع الإنسانية بفعل الحصار والدمار والمنخفضات الجوية القاسية، لتتحول حياة المدنيين إلى معركة يومية للبقاء.

 

خروقات ميدانية متواصلة وسقوط جرحى

 

يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي خرق اتفاق وقف إطلاق النار في مختلف مناطق قطاع غزة، حيث أسفرت هذه الخروقات، بحسب معطيات رسمية، عن استشهاد 394 مدنيًا فلسطينيًا وإصابة 1075 آخرين منذ بدء سريان الاتفاق.

 

وأعلن مجمع ناصر الطبي، ظهر الخميس، عن وصول مصابين اثنين جراء تعرضهما لإطلاق نار من قبل قوات الاحتلال المنتشرة في محيط بلدة بني سهيلا شرق مدينة خانيونس، جنوبي القطاع، في حادثة جديدة تعكس هشاشة الهدنة المعلنة.

 

وفي مدينة غزة، أفاد الدفاع المدني بإصابة فتى برصاص قوات الاحتلال المتمركزة شرق حي التفاح، في ظل تصاعد التوترات الميدانية، فيما ذكرت مصادر محلية أن زوارق حربية إسرائيلية أطلقت نيرانها صباح الخميس في عرض البحر قبالة مدينتي خانيونس ورفح، دون ورود معلومات مؤكدة عن وقوع إصابات.

 

ولم تتوقف الاعتداءات عند هذا الحد، إذ شن طيران الاحتلال الحربي غارة جوية استهدفت المناطق الشرقية لمدينة خانيونس، بالتزامن مع إطلاق نار كثيف من آليات الاحتلال شمالي مدينة رفح، ما أبقى المنطقة في حالة توتر وتصعيد مستمرين.

 

أرقام صادمة للخروقات والضحايا

 

وفي وقت سابق، أعلنت حركة حماس أن عدد خروقات الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار منذ بدء سريانه في 10 أكتوبر 2025 تجاوز 813 خرقًا، بمعدل يقارب 25 خرقًا يوميًا، ووصفت الوضع بأنه “خطير جدًا” ويهدد استمرارية الاتفاق برمّته.

 

من جانبها، أعلنت وزارة الصحة في غزة، اليوم الخميس، ارتفاع حصيلة ضحايا الإبادة الإسرائيلية إلى 70,669 شهيدًا و171,165 إصابة منذ السابع من أكتوبر 2023.

 

وأوضحت الوزارة أن مستشفيات القطاع استقبلت خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية شهيدًا واحدًا و13 إصابة جديدة، جراء العدوان المتواصل، مشيرة إلى أن حصيلة الضحايا منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 11 أكتوبر الماضي بلغت 395 شهيدًا و1088 مصابًا، إضافة إلى انتشال 634 جثمانًا من تحت أنقاض المنازل المدمرة.

 

وأكدت الوزارة أن أعدادًا أخرى من الضحايا لا تزال تحت الركام وفي الطرقات، نتيجة العجز عن الوصول إليهم بسبب الدمار الواسع ونقص المعدات اللازمة لعمليات الإنقاذ.

 

 

تحذيرات دولية من كارثة إنسانية متفاقمة

 

في السياق ذاته، حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن الأحوال الجوية القاسية في قطاع غزة تؤدي إلى انهيار مبانٍ متضررة أصلًا بفعل القصف، ما يتسبب في خسائر إضافية في الأرواح بين السكان.

 

وأكدت اللجنة أن تدهور الظروف المناخية يزيد من خطورة الأوضاع الإنسانية، خاصة في المناطق التي تعرضت لدمار واسع، مشددة على ضرورة الإسراع في إدخال مزيد من المساعدات الإنسانية، ولا سيما مستلزمات الإيواء الدائم، لحماية المدنيين والتخفيف من معاناتهم.

 

 

نازحو غزة… الغرق للمرة الثالثة

 

يعيش نازحو قطاع غزة مأساة الغرق للمرة الثالثة، نتيجة المنخفض الجوي الثالث الذي يضرب الأراضي الفلسطينية، والمصحوب بكميات كبيرة من الأمطار.

 

وكان المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، قد أعلن أن أكثر من 17 بناية سكنية انهارت بالكامل منذ بدء المنخفضات الجوية الأخيرة، مشيرًا إلى أن تداعيات هذه الظروف أسفرت عن استشهاد 17 مواطنًا، بينهم أربعة أطفال، بسبب البرد القارس، فيما توفي آخرون جراء انهيارات المباني.

 

حماس تطالب بتدخل فوري لحماية الاتفاق

 

سياسيًا، دعت حركة حماس الإدارة الأميركية والوسطاء الضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار إلى التدخل الفوري لحمايته ووقف الخروقات الإسرائيلية المتكررة، وضمان التزام الاحتلال ببنود الاتفاق، لا سيما الجوانب الإنسانية والإغاثية، بما يكفل استمرار عمل المنظمات الدولية.

 

ويعقد الوسطاء في اتفاق وقف إطلاق النار اجتماعًا يوم غد الجمعة لوضع تصور للمرحلة الثانية، وفق ما أعلن رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وسط غموض يكتنف طبيعة وأدوار القوة الدولية المزمع نشرها في القطاع.

 

وأوضح رئيس الوزراء القطري، خلال مؤتمر صحفي عقب مباحثات مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، أن الخروقات الإسرائيلية المتواصلة “تضع الوسطاء في مواقف محرجة”، مؤكدًا أن بلاده أثارت بشكل مباشر قضية استمرار القصف والاغتيالات في غزة.

 

حرب إبادة وكلفة إعمار باهظة

 

وكان اتفاق وقف إطلاق النار قد أنهى حرب إبادة جماعية شنتها “إسرائيل” في أكتوبر 2023 واستمرت عامين، خلفت عشرات آلاف الضحايا ودمارًا هائلًا في البنية التحتية العمرانية والخدماتية، مع تقديرات أممية تشير إلى أن كلفة إعادة الإعمار قد تصل إلى نحو 70 مليار دولار.

 

تحذير أممي من تعطيل العمل الإنساني

 

طالبت حركة حماس الوسطاء بخطوات فاعلة لإلزام الاحتلال باستحقاقات وقف إطلاق النار، وذلك عقب البيان المشترك الصادر عن الأمم المتحدة وأكثر من 200 منظمة إنسانية، والذي حذّر من أن العراقيل الإسرائيلية تهدد استمرار العمليات الإنسانية في القطاع.

 

وقالت الحركة إن التحذير الأممي من إقدام إسرائيل على إلغاء تسجيل عشرات المنظمات الإغاثية الدولية “يؤكد خطورة النهج الذي يتبعه الاحتلال في تعميق الكارثة الإنسانية”، داعية إلى تحرك دولي عاجل لإغاثة الفلسطينيين في غزة.

 

وأضافت أن حكومة الاحتلال، برئاسة بنيامين نتنياهو، تعمل بشكل منهجي على تشديد الحصار واستخدام المساعدات الإنسانية كسلاح، وحرمان المدنيين من حقوقهم الأساسية، في امتداد لحرب الإبادة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.

 

أطفال يموتون من البرد

 

وفي تصريح منفصل، قال الناطق باسم حماس حازم قاسم إن استشهاد الأطفال بسبب البرد القارس في قطاع غزة يمثل جريمة يرتكبها الاحتلال عبر منع الإعمار ومواصلة الحصار، مؤكدًا أن المناشدات المتكررة لإدخال إيواء حقيقي وبدء الإعمار لم تحرك العالم لإنقاذ أطفال غزة.

 

وفي وقت سابق اليوم، أعلن مجمع ناصر الطبي وفاة طفل جراء البرد الشديد في منطقة المواصي غرب خانيونس.

 

الأمم المتحدة: 55 ألف عائلة تضررت

 

أعلنت الأمم المتحدة أن نحو 55 ألف عائلة فلسطينية تضررت جراء الأمطار والعواصف الأخيرة في قطاع غزة، وفق ما أفاد به نائب المتحدث باسم الأمين العام، فرحان حق.

 

وأشار إلى أن العواصف ألحقت أضرارًا جسيمة بممتلكات ومراكز إيواء النازحين، كما تسببت في تعطيل عشرات المساحات الصديقة للأطفال، ما أثر على نحو 30 ألف طفل.
 

 

الأونروا: 16 وفاة بسبب الطقس القاسي

 

بدورها، أعلنت وكالة “الأونروا” تسجيل 16 حالة وفاة في قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة، بينهم ثلاثة أطفال، نتيجة الأمطار الغزيرة والبرد وانهيار المباني المتضررة.

 

 

كما أعلنت وزارة الصحة وفاة الرضيع سعيد عابدين، البالغ من العمر 29 يومًا، جراء البرد القارس في منطقة المواصي بخانيونس، لترتفع حصيلة الوفيات المرتبطة بالمنخفض الجوي الأخير إلى 17 حالة.