يشهد السودان واحدة من أخطر مراحل الصراع منذ اندلاع الحرب في إبريل 2023، مع احتدام غير مسبوق للمعارك بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” المدعومة من الإمارات على جبهات متعددة، بالتوازي مع تصعيد نوعي في استخدام الطائرات المسيّرة والقصف المدفعي، واتساع رقعة الاستهداف لتشمل البنية التحتية الحيوية والمناطق المدنية، في وقت تتكثف فيه التحركات الإقليمية والدولية لمحاولة احتواء النزاع، وسط تحذيرات أممية من تفاقم الكارثة الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة.

 

تصعيد ميداني وضرب البنية التحتية

 

خلال الأيام الأخيرة، تصاعدت حدة الاشتباكات في ولايات إقليم كردفان الثلاث، إلى جانب مناطق في دارفور وشمال وشرق السودان، حيث تبادل الطرفان الهجمات بالطائرات المسيّرة والقصف الجوي والمدفعي. وشهدت مدينة عطبرة بولاية نهر النيل هجوماً بطائرات مسيّرة استهدف محطة المقرن للكهرباء، ما أدى إلى مقتل اثنين من عناصر الدفاع المدني أثناء محاولتهما إخماد حريق، وتسبب في أضرار جسيمة بمحولات الكهرباء وانقطاع الإمداد عن عدة ولايات، بينها الخرطوم وبورت سودان.

 

ويعكس هذا الاستهداف المتكرر لمنشآت الطاقة هشاشة الشبكة الكهربائية في السودان، التي تعتمد على عدد محدود من محطات التوليد والتحويل، الأمر الذي فاقم من معاناة السكان، خاصة في ظل تأثر المستشفيات، والاتصالات، والخدمات الأساسية، في بلد يعاني بالفعل انهياراً شبه كامل في البنية التحتية.

 

اتهامات متبادلة وسقوط مدنيين

 

في جنوب كردفان، تبادلت الأطراف الاتهامات بشأن قصف القرى والمناطق السكنية. واتهمت الحركة الشعبية – شمال، المتحالفة مع قوات “الدعم السريع”، الجيش السوداني بتنفيذ هجوم بطائرات مسيّرة على قرية “النتل” بمقاطعة الدلنج، ما أسفر عن مقتل سبعة مدنيين، غالبيتهم من الأطفال، وإصابة آخرين، إضافة إلى نفوق عدد من الماشية.

 

في المقابل، شنّ الجيش هجمات بالطائرات المسيّرة استهدفت مناطق في جنوب وشمال كردفان، بينما تعرضت مدن وقرى في شمال دارفور، خاضعة لسيطرة “الدعم السريع”، لقصف جوي مماثل. وأفادت تقارير ميدانية بمقتل ثمانية أشخاص بضربة مسيّرة على قرية في جنوب البلاد أثناء فرارهم من مدينة كادوقلي، التي تعاني حصاراً خانقاً وتدهوراً حاداً في الأوضاع المعيشية.

 

دارفور… مجازر ونزوح جماعي

 

في تطور بالغ الخطورة، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن أكثر من ألف مدني قُتلوا خلال هجوم شنّته قوات “الدعم السريع” على مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور، خلال أيام معدودة، مؤكدة توثيق مجازر وعمليات اغتصاب وعنف جنسي وتعذيب وخطف. ويُعد مخيم زمزم أكبر مخيمات النزوح في السودان، وكان أول موقع أُعلنت فيه المجاعة رسمياً، قبل أن تمتد إلى مخيمات أخرى في دارفور.

 

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أصبح المخيم شبه خالٍ بعد فرار مئات الآلاف من سكانه، متجهين نحو مدينة الفاشر المحاصَرة أو مناطق أخرى، في واحدة من أكبر موجات النزوح منذ بداية الحرب.

 

الكوادر الطبية تحت الاستهداف

 

شبكة أطباء السودان كشفت عن أرقام صادمة، مؤكدة مقتل أكثر من 234 من الكوادر الطبية منذ اندلاع الحرب، وإصابة المئات، واحتجاز عشرات آخرين، إضافة إلى مفقودين لا يُعرف مصيرهم. ووصفت الشبكة ما يجري بأنه انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، مطالبة بوقف فوري للاعتداءات على العاملين في القطاع الصحي وضمان حمايتهم.

 

تحركات سياسية ووساطة إقليمية

 

على الصعيد السياسي، تحركت الدبلوماسية الإقليمية بشكل لافت، حيث توجّه رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى مصر عقب زيارة للسعودية، لبحث سبل تسوية الأزمة وتعزيز التنسيق الإقليمي. وتأتي هذه الزيارات في إطار جهود اللجنة الرباعية التي تضم السعودية والولايات المتحدة ومصر والإمارات، في محاولة لإحياء مسار التهدئة بعد فشل مبادرات سابقة، بما فيها هدنة أحادية أعلنتها “الدعم السريع” ورفضها الجيش.

 

وأكد مسؤولون أميركيون وجود مساعٍ مكثفة للتوصل إلى هدنة إنسانية وتوسيع نطاق المساعدات، إلا أن الوقائع الميدانية تشير إلى اتساع رقعة القتال بدل انحساره.

 

نزوح بالملايين وأزمة بلا أفق

 

وفق تقديرات الأمم المتحدة، تسببت الحرب في مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص بين نازح ولاجئ، فيما تتدفق موجات جديدة من الفارين من كردفان ودارفور إلى ولايات النيل الأبيض والقضارف، وإلى دول الجوار، وسط نقص حاد في الغذاء والمأوى والرعاية الصحية.

 

وفي ظل استمرار التعبئة العسكرية، بما في ذلك إعلان سلطات ولاية الخرطوم تجهيز آلاف المتطوعين، تبدو البلاد متجهة نحو مزيد من التصعيد، مع خطر فعلي بتقسيم السودان إلى مناطق نفوذ متصارعة، في وقت تتضاءل فيه فرص الحل السياسي.