بعد أكثر من شهر من الشلل الإداري والتجاذبات السياسية، صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على اتفاق شامل ينهي أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة.
الخطوة التي طال انتظارها جاءت بعد مفاوضات مكثفة، لتضع حدًا لأزمة عطلت عمل المؤسسات وأثرت على ملايين المواطنين، وتُعيد مؤسسات الدولة إلى مسارها الطبيعي قبل نهاية يناير 2026.
تسوية تنهي الانقسام السياسي
شهد مجلس الشيوخ مساء الإثنين جلسة استثنائية صوّت خلالها 60 عضوًا لصالح الاتفاق مقابل 40، وسط حضور لافت لأعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وشكلت هذه الموافقة اختراقًا في حالة الجمود السياسي التي سادت البلاد منذ الأول من أكتوبر ، عندما اندلع الخلاف حول بنود الإنفاق العام بين الكونغرس والبيت الأبيض.
الاتفاق يعيد تمويل الوكالات الفيدرالية ويمنع عمليات التسريح المؤقت للعاملين حتى 30 يناير 2026، ما يسمح بإعادة صرف الرواتب واستئناف الخدمات المتوقفة.
استئناف العمل في المؤسسات والخدمات
الاتفاق يشمل تمويل وزارات ومؤسسات حيوية مثل النقل، الزراعة، التعليم، الصحة، والخزانة. كما يتضمن استئناف البرامج الاجتماعية والغذائية التي يعتمد عليها أكثر من 40 مليون أمريكي.
ويمنع الاتفاق اتخاذ أي إجراءات تنفيذية خلال فترة التمويل المؤقت، كخفض الرواتب أو تقليص القوى العاملة، ويفتح الباب أمام استئناف صرف الرواتب المتوقفة لموظفي الدولة في العاصمة والولايات.
ترامب يرحّب بالاتفاق ويشيد بالنتائج
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أشاد فور تمرير الاتفاق بالخطوة، مؤكدًا التزامه بتنفيذ بنوده. وصرح خلال مؤتمر صحفي من البيت الأبيض بأن الاتفاق "جيد جدًا"، ويُعيد الدولة للعمل من دون المساس بالانضباط المالي.
وأضاف أن حكومته ستواصل مراقبة الإنفاق العام لضمان عدم تراكم الديون، مع الالتزام بخدمة المواطنين وتوفير بيئة حكومية فعالة ومنضبطة.
مجلس النواب على خطى الشيوخ
بعد تمرير الاتفاق في مجلس الشيوخ، ينتقل المشروع إلى مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون. رئيس المجلس مايك جونسون أكد أن التصويت سيتم الأربعاء، وأن المجلس "لن يتأخر" في المصادقة على الاتفاق، تمهيدًا لإرساله إلى الرئيس ترامب لتوقيعه.
ووصف جونسون الاتفاق بأنه يمثل "توافقًا وطنيًا نادرًا" ينهي أزمة عطّلت الاقتصاد وأضعفت ثقة الأمريكيين في الحكومة.
تداعيات الإغلاق الحكومي
الإغلاق الحكومي الذي بدأ مطلع أكتوبر تسبب في شلل شبه تام في قطاعات متعددة:
- عمل مئات الآلاف من الموظفين دون رواتب أو توقفوا عن العمل.
- تعطلت برامج المساعدات الغذائية والرعاية الاجتماعية.
- تأثرت حركة الطيران بسبب نقص الموظفين.
- جُمّدت مشاريع البنية التحتية والإنفاق التنموي.
عودة المؤسسات للعمل ستعيد هذه البرامج تدريجيًا إلى طبيعتها، مع صرف المستحقات المتأخرة بأوامر تنفيذية مباشرة من البيت الأبيض.
تمويل مؤقت واستحقاقات مقبلة
الاتفاق يوفر تمويلًا مؤقتًا حتى 30 يناير 2026، ما يمنح الكونغرس مهلة لإعداد موازنة شاملة للعام المالي المقبل. وبحسب وزارة الخزانة، يتيح الاتفاق إنفاقًا سنويًا يصل إلى 1.8 تريليون دولار، ضمن موازنة عامة يتجاوز فيها الدين القومي 38 تريليون دولار.
ومن المتوقع أن تستمر إدارة ترامب في مراجعة الإنفاق لتعزيز الاستدامة المالية دون التأثير على البرامج الاجتماعية.
خلفية الأزمة: خلافات حزبية حول الإنفاق
أصل الأزمة يعود إلى الخلاف داخل الكونغرس حول أولويات الإنفاق، خاصة بين الديمقراطيين الذين طالبوا بزيادة مخصصات الرعاية الصحية، والجمهوريين الذين رفضوا ربط التمويل بها.
ورغم أن الاتفاق لم يتضمن تمديدًا تلقائيًا لتلك المخصصات، إلا أنه مهّد الطريق لطرحها في جلسة قادمة في ديسمبر المقبل.
ترامب والانضباط المالي: سياسة مثيرة للجدل
خلال الشهور الماضية، اتخذ ترامب سلسلة قرارات بخفض الإنفاق وإلغاء مخصصات سابقة، معتبرًا ذلك جزءًا من "إعادة الانضباط المالي". شملت تلك الإجراءات تقليص رواتب فيدرالية وخفض النفقات التشغيلية، ما أثار جدلًا حول صلاحيات الرئيس في قضايا مالية.
ترامب دافع عن قراراته مؤكدًا أن الهدف هو حماية الاقتصاد من الديون غير المنضبطة، وتعزيز كفاءة الحكومة.
بداية مرحلة جديدة
الاتفاق يمثل نقطة تحول في المشهد السياسي، إذ أنهى أطول إغلاق في تاريخ البلاد وأعاد ثقة نسبية في قدرة المؤسسات على التوصل لتسويات.
بتوقيع الرئيس، ستُستأنف العمليات الحكومية بالكامل، ما يعيد الحياة السياسية والإدارية والاقتصادية إلى طبيعتها تدريجيًا في الولايات المتحدة، مع ترقب الموازنة الجديدة في بداية 2026

