في شتاء عام 2013، خرج آلاف المصريين إلى الشوارع يهتفون: «أنا مش خايف زي زمان»، و«علّي وعلّي الصوت»، احتجاجًا على ارتفاع الأسعار، وغضبًا من وصول سعر أنبوبة الغاز إلى ستة جنيهات فقط.
كانت تلك الشعارات تعبيرًا عن لحظةٍ نادرة شعر فيها المواطن أنه قادر على الصراخ في وجه السلطة دون خوفٍ كبير، وأن صوته، مهما كان ضعيفًا، يُسمع في المجال العام. لم يكن المصري آنذاك يملك رفاهية العيش المريح، لكنه امتلك جرأة الرفض.
اليوم، وبعد مرور أكثر من عقد، تجاوز سعر أنبوبة الغاز حاجز 250 جنيهًا، أي ما يعادل أكثر من أربعين ضعفًا مما كانت عليه في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، لكن المفارقة المؤلمة أن الأصوات التي كانت تملأ الشوارع خفتت، وأن الخوف عاد مضاعفًا، حتى لم يعد المواطن يجرؤ على “الهمس” بما كان يومًا “يصرخ” به علنًا.
السؤال الذي يفرض نفسه: هل كانت أيام الشهيد الدكتور محمد مرسي فعلًا أكثر حرية وأمانًا، أم أن عهد السيسي لا يعرف سوى البطش وغياب الصوت؟
خلال فترة حكم الرئيس الدكتور محمد مرسي القصيرة، رغم كل الاضطرابات السياسية والانقسامات الحادة، شعر المواطن بقدرٍ من الانفتاح في التعبير. كثير من الخبراء، مثل الباحث المصري في مركز كارنيغي “عمرو حمزاوي”، يرون أن «سقف الحرية بعد الثورة كان مرتفعًا، حتى مع تجاوزات السلطة وقتها، لأن الدولة لم تكن قد استعادت قبضتها الأمنية بعد». بمعنى آخر، كان المجال العام مفتوحًا بفعل قوة الشارع أكثر مما كان بقرار من النظام. ولهذا لم يكن غريبًا أن نرى مظاهرات تنتقد الرئيس المنتخب نفسه من دون أن تُقمع بالرصاص أو يُزج بالمئات في السجون.
لكن تلك الحرية لم تدم طويلًا. مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في 2014، تغيّر المشهد تدريجيًا حتى وصل إلى ما يشبه “الجمود الأمني الكامل”. تقارير منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية تؤكد أن مصر تعيش اليوم «أشد مراحلها قمعًا منذ عقود»، وأن آلاف المواطنين اعتُقلوا بسبب آرائهم، حتى لو كانت منشورات على فيسبوك أو تغريدات تنتقد الأوضاع المعيشية.
الاقتصاد بدوره لم يكن أكثر رحمة. فبينما كانت أسطوانة الغاز في عهد مرسي تُباع للمواطن البسيط بستة جنيهات، أصبحت اليوم تكلّف ما بين 230 و250 جنيهًا في كثير من المحافظات، وهو ما يفوق قدرة الملايين من الأسر محدودة الدخل.
الزيادات لم تشمل الغاز فقط، بل كل السلع الأساسية تقريبًا. ومع انهيار الجنيه وارتفاع التضخم، وجد المصري نفسه عاجزًا عن الصراخ، لأن الصرخة لم تعد تجلب الخبز، بل قد تجلب الاعتقال.
يقول الخبير الاقتصادي مدحت نافع إن “السكوت اليوم ليس دليل رضا، بل دليل خوف واقتناع بأن لا جدوى من الكلام”. فالمواطن، كما يضيف، “صار يعيش أولويات البقاء لا أولويات الحرية”. أما الباحثة الحقوقية نورا بركة فتصف الوضع بقولها: “في عهد مرسي، كانت الدولة خائفة من الشارع، أما في عهد السيسي، فالشارع هو من يخاف الدولة.”
من هنا يمكن فهم التناقض العجيب بين زمنين: في عهدٍ كانت أنبوبة الغاز بستة جنيهات خرج الناس يهتفون، وفي عهدٍ تجاوزت فيه 250 جنيهًا، لا يُسمع صوت سوى همسٍ في المقاهي أو غرف مغلقة. لم يتغير الألم، بل تغيرت المسافة بين الخوف والكلمة.
آراء السوشيال
نشر حزب تكنو قراط مصر فيديو وعلقوا عليه " خرجو يتظاهرون ايام الرئيس محمد مرسي وهم يرددون: "انا مش خايف زي زمان" و "علُي و علّي الصوت" وذلك بسبب ارتفاع الاسعار و وصول سعر انبوبة الغاز لـ6 جنيه فما بال المصريون الان لا يستطيعون الهمس لا تعلية الصوت عندما وصل سعر انبوبة الغاز الى 250 جنية! فهل لان ايام مرسي اكثر حرية و امان للمواطن المصري؟ ام لان ايام السيسي لا تعرف سوى البطش ولا يوجد ما يسمى بالحرية او الامان للمواطن المصري؟".
خرجو يتظاهرون ايام الرئيس محمد مرسي وهم يرددون:
"انا مش خايف زي زمان"
و "علُي و علّي الصوت"
وذلك بسبب ارتفاع الاسعار و وصول سعر انبوبة الغاز لـ6 جنيه
فما بال المصريون الان لا يستطيعون الهمس لا تعلية الصوت عندما وصل سعر انبوبة الغاز الى 250 جنية!
فهل لان ايام مرسي اكثر… pic.twitter.com/wumC97guJb
— حزب تكنوقراط مصر (@egy_technocrats) November 9, 2025
وأشار طريق الحرية " للأسف لعبوا على الجهل والفقر فى إستغلال هؤلاء الإناس".
للأسف لعبوا على الجهل والفقر فى إستغلال هؤلاء الإناس
— Freedom Road (@kknightForce) November 9, 2025
وأضاف سفيان " لان هؤلاء الأغبياء إستعملهم العسكر أحسن استغلال في مؤامرته للانقلاب على المدنية وعلى مرسي، وذلك. باستغلال فقرهم وحاجتهم وطمعهم في خلق مظاهرات استعراضية تهريجية، تظهر انعدام الأمن وثقة المواطن في رئيسه المنتخب نتيجة تدهور مستوى المعيشة، اما اليوم فقد رمى العسكر هؤلاء في مزابله".
لان هؤلاء الأغبياء إستعملهم العسكر أحسن استغلال في مؤامرته للانقلاب على المدنية وعلى مرسي، وذلك. باستغلال فقرهم وحاجتهم وطمعهم في خلق مظاهرات استعراضية تهريجية، تظهر انعدام الأمن وثقة المواطن في رئيسه المنتخب نتيجة تدهور مستوى المعيشة، اما اليوم فقد رمى العسكر هؤلاء في مزابله
— سفيان Sofiane (@solaogx30) November 9, 2025
الخلاصة أن حرية التعبير في مصر لم تكن مثالية يومًا، لكنها في عهد السيسي أصبحت ترفًا محرّمًا.
أما المقارنة بين “الأمان” في العهدين، فهي تحمل مفارقة أخرى: المواطن في زمن مرسي كان يخشى المستقبل السياسي، أما اليوم فهو يخشى على لقمة العيش — بل وعلى سلامته إن عبّر عنها.
لقد ارتفعت الأسعار، وتضاعف الخوف، وتراجع الصوت. صارت أنبوبة الغاز مرآةً لواقعٍ أكبر: بلدٌ يحترق في صمت، ومواطن يتنفس بصعوبة داخل وطن لا يجرؤ على الكلام.

