في تحليل معمق نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أكدت الخبيرة في الشؤون الجيوسياسية والأزمات الدولية، عنات هوشبيرج-ماروم، أن مصر لا تقف على الحياد في جهود إعادة إعمار قطاع غزة، بل تحتل موقعًا محوريًا يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. يذهب التحليل إلى ما هو أبعد من دور الوسيط التقليدي، ليصور القاهرة كـ "لاعب أساسي" يسعى لتحقيق الاستقرار الإقليمي، مستغلاً موقعه الاستراتيجي وقربه من إسرائيل ومكانته في العالمين العربي والإسلامي. هذا التقرير يستعرض أبرز النقاط التي تناولتها هوشبيرج-ماروم حول الدور المصري المتشابك في ملف غزة.

 

الموقع المحوري والمكاسب الجيوسياسية

 

ترى هوشبيرج-ماروم أن الدور المصري في القضايا الفلسطينية، وخاصة في غزة، يعزز مكانتها كوسيط موثوق ومسؤول. فجهود القاهرة لا تقتصر على الوساطة لإيصال المساعدات وتحقيق وقف إطلاق النار، بل تشمل خطة شاملة لإعادة تأهيل المدنيين، تتكامل مع رؤية "مصر 2030" للتنمية.

 

إن مشاركة مصر في قضايا حساسة مثل تحديد مكان المختطفين واستعادة السيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية في غزة، تجعلها "شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط" ومركز ثقل جيوسياسي في المنطقة. كما أن نجاح مصر في إدارة إعادة إعمار القطاع سيحسن أمنها القومي ويعزز نفوذها في الساحة الفلسطينية، ويسهم في توسيع علاقاتها مع دول الجوار مثل العراق والأردن، ويعزز مكانتها في مواجهة التحديات الإقليمية من تركيا وإيران ودول الخليج.

 

الفرص الاقتصادية الهائلة لإعادة الإعمار

 

يشير التحليل إلى أن مصر تحقق فوائد اقتصادية كبيرة من هذا الدور. فإعادة إعمار غزة، التي تُقدر تكلفتها خلال العقد المقبل بحوالي 53 مليار دولار وفق تقديرات البنك الدولي والأمم المتحدة، تفتح "فرصًا هائلة" للشركات المصرية والإسرائيلية والدولية في مجالات حيوية مثل البناء، والطاقة، والمياه، والاتصالات.

 

تأتي هذه الفرص في وقت يتوقع فيه نمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر بنسبة 4.5% لعام 2025، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الحالي نحو 347 مليار دولار، وعدد سكانها حوالي 118 مليون نسمة. إن تدفق الاستثمارات الأجنبية، بما في ذلك من الشركات الأمريكية والصينية، ودعم مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية، يعزز استقرار مصر الاقتصادي ويساعدها في مواجهة التحديات الداخلية، بما في ذلك الديون الخارجية التي تبلغ نحو 152 مليار دولار.

 

الطاقة والتعاون الإسرائيلي: مركز إقليمي للطاقة

 

تؤكد هوشبيرج-ماروم على أن التعاون الاقتصادي بين مصر وإسرائيل، رغم التوترات السياسية، يمثل "فرصة مشتركة" للطرفين. وتبرز صفقات الطاقة والغاز، مثل اتفاقية الغاز بقيمة 35 مليار دولار، كعامل رئيسي يعزز مكانة مصر كـ "مركز إقليمي للطاقة".

 

هذا التعاون لا يقتصر على تعزيز مكانة مصر كمورد بديل للطاقة للدول الأوروبية فحسب، بل يوسع أيضًا التعاون مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية ودول الخليج. بالنسبة لإسرائيل، فإن هذا التعاون يتيح لها توسيع صادراتها وخفض تكاليف الأمن، مما يعزز ثقة المستثمرين الأجانب ويرسخ استقرار المنطقة بعد انتهاء الحرب في غزة.

 

وأخيرا يخلص تحليل الخبيرة الإسرائيلية إلى أن التطورات الجارية تؤكد قدرة مصر على جمع القوة السياسية والاقتصادية والجيوستراتيجية لتعزيز مكانتها على الساحة الإقليمية والدولية. فمن خلال دورها المحوري في إعادة إعمار غزة، تثبت مصر أنها "شريك محوري" في أي تسوية مستقبلية للشرق الأوسط، وأن مصالحها الذاتية تتشابك بشكل وثيق مع تحقيق الاستقرار الإقليمي، مما يجعلها قوة لا يمكن تجاهلها في معادلات المنطقة.