"أهلاً بالأخوة العرب واستثماراتهم في مصر… لكن ليه نبيع الأرض.. لما ممكن نمنح الأرض حق انتفاع لمدة ٢٥ سنة مثلاً؟؟؟ كفاية قوي كده…." بهذه الكلمات القوية والمباشرة، لخصت الدكتورة علياء المهدي، أستاذة الاقتصاد والعميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، موقف شريحة واسعة من الخبراء والمواطنين تجاه سياسات حكومة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي المتمثلة في بيع أصول الدولة.
ففي مواجهة أزمة اقتصادية حادة وديون متزايدة، أصبح بيع الأراضي والأصول المملوكة للدولة هو الحل الأبرز الذي تروج له الحكومة لجذب العملة الصعبة، وهو ما يراه كثيرون تفريطاً في ثروة الأجيال القادمة وحلاً قصير الأمد لمشاكل هيكلية عميقة.
صندوق النقد وسياسات البيع المتسارعة
تأتي وتيرة بيع الأصول المتسارعة في سياق التزامات الحكومة المصرية تجاه صندوق النقد الدولي، الذي يضغط من أجل تسريع وتيرة بيع أصول الدولة كجزء من برامج القروض.
وفي هذا السياق، يحذر الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، نقيب الصحفيين الأسبق، من أن هذه السياسات لا تعدو كونها مسكنات مؤقتة، حيث يتم بيع أصول رابحة تدر عوائد دورية للخزينة العامة مقابل مبلغ مقطوع يتم إنفاقه سريعاً، مما يفاقم الأزمة على المدى الطويل.
ويتفق معه الباحث الاقتصادي وائل جمال، الذي يوضح أن بيع الأصول الرابحة يحرم الدولة من أرباحها المستقبلية، ويضيف عبئاً جديداً يتمثل في توفير سيولة دولارية للمستثمر الأجنبي لتحويل أرباحه للخارج.\
مخاوف قانونية واستراتيجية
أثارت التعديلات القانونية التي تسهل تملك الأجانب للأراضي، مثل تعديل قانون الأراضي الصحراوية، قلقاً كبيراً. وفي هذا الصدد، يعرب الخبير الاقتصادي هاني توفيق عن مخاوفه من أن بيع الأراضي والمشروعات الكبرى لأجانب قد يرهن القرار الاقتصادي والسياسي المصري لجهات خارجية، خاصة وأن هذه الصفقات تتم أحياناً في غياب الشفافية الكاملة.
ويضيف إلهامي الميرغني، الخبير الاقتصادي، أن بيع أصول الدولة هو "جريمة في حق المال العام" وتعدٍ على حقوق الأجيال القادمة، مشيراً إلى أن المبالغ التي يتم تحصيلها من هذه الصفقات لا تتناسب مع القيمة الحقيقية والاستراتيجية لهذه الأصول.
تاريخ من النضال ضد بيع الأصول
تعيد هذه السياسات إلى الأذهان معارك سابقة خاضها نشطاء ضد برامج الخصخصة. ويبرز هنا اسم المعتقل المهندس يحيى حسين عبد الهادي، منسق حركة "لا لبيع مصر"، الذي يقبع الآن في سجن بدر ليدفع ذلك ثمنا لمواقفه والذي كان له دور بارز في فضح الفساد في صفقة بيع شركة "عمر أفندي" في عهد مبارك، حيث تم بيعها بأقل من قيمتها الحقيقية بكثير.
وهاجم عبدالهادي قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي قائلا إن المشكلة ليست في الخصخصة بحد ذاتها، بل في الفساد وغياب الشفافية والتفريط في الأصول بأثمان بخسة.
وأكد قبل اعتقاله أن ما يحدث هو استمرار لثقافة "البيع" التي تهدد بتدمير مقدرات مصر وتخريب أصولها، وأن الحل يكمن في تغيير النظام بسياساته الاقتصادية.
وختاما فإن الأصوات المنتقدة لسياسات بيع الأصول، بدءاً من تساؤل الدكتورة علياء المهدي ومروراً بتحذيرات خبراء مثل ممدوح الولي ووائل جمال وهاني توفيق وإلهامي الميرغني، وانتهاءً بتاريخ طويل من النضال يمثله المعتقل يحيى حسين عبد الهادي، كلها تجتمع عند نقطة واحدة: الخوف على مستقبل مصر.
فبينما تدافع حكومة الانقلاب عن قراراتها بالضرورة الاقتصادية، يرى هؤلاء الخبراء أنها تضحية غير محسوبة بمستقبل الأجيال القادمة وسيادة الوطن.
ومع استمرار غياب الشفافية والحوار المجتمعي الجاد، يزداد القلق من أن تتحول أصول مصر إلى مجرد أرقام في ميزانية تسوية الديون، بدلاً من أن تكون أساساً لتنمية حقيقية ومستدامة.

