في حادثة جديدة تثير الجدل حول ممارسات السلطة التنفيذية في مصر، شهدت مدينة طوخ بمحافظة القليوبية في 11 أكتوبر 2025 عملية هدم وتكسير لأجزاء من معرض "الشيخ علي للسيارات" — وهي الحملة التي يُقال إنها جاءت بتوجيهات مباشرة من رئيس الوزراء أثناء زيارته للمحافظة.
الواقعة: موكب يمرّ… وأوامر تهدم
بحسب ما ورد في الفيديو، كان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في جولة لافتتاح مستشفى طوخ الجديدة، حين مرّ موكبه أمام معرض “الشيخ علي للسيارات”، وهو معرض قائم منذ عام 2006 ومتخصص في بيع سيارات النقل والشاحنات.
يروي الشهود أن رئيس الوزراء أمر محافظ القليوبية بـ"التعامل مع المعرض"، لتتحوّل العبارة الغامضة إلى حملة إزالة شاملة بعد ساعات قليلة، نفذها المحافظ بنفسه برفقة رئيس مجلس مدينة طوخ وقوات من الشرطة.
رواية أصحاب المعرض: “هُدِّم رزقنا بلا إنذار”
حسام علي، نجل صاحب المعرض، ظهر في الفيديو ليحكي تفاصيل ما جرى مدعومًا بلقطات من كاميرات المراقبة. يقول إن الحملة داهمت المكان دون إنذار مسبق أو أوراق رسمية، وبدأت بالاستيلاء على المحفظة الشخصية الخاصة به، وطرح الأموال أرضًا أمام العمال.
ثم تم القبض على أحد الموظفين فقط لأنه صوّر الواقعة، واحتُجز في سيارة الشرطة حتى نهاية الحملة. وعندما سأل حسام المحافظ عن سبب الإجراء، كانت الإجابة الصادمة: “رئيس الوزراء مر من هنا… وهذه تعليماته.”
ولما طالب بقرار إزالة أو مستند رسمي، رد المحافظ بعبارة مستفزة: “أنا لو عايز قرار دلوقتي هطلعه حالًا.”
الهدم والمصادرة: من "تشوين" إلى "سطو رسمي"
رغم استجابة أصحاب المعرض لطلب إخلاء السيارات من أمام المبنى، بدأت المعدات في تكسير الأرضية الخرسانية التابعة للمكان، واقتحم موظفو مجلس المدينة مكاتب المعرض وصادروا ممتلكات خاصة، من بينها المولد الكهربائي والمكاتب والكراسي.
بل وتعدّى الأمر إلى محاولة هدم المبنى الرئيسي، قبل أن يتراجع الفريق بعد مطالبة أصحاب المكان بقرار من النيابة. ومع ذلك، تم تحطيم أجزاء من الواجهة الزجاجية ولافتة المعرض المرخّصة رسميًا.
حجج قانونية واضحة… وإجراءات غامضة
قدّم أصحاب المعرض مجموعة مستندات تؤكد أن موقفهم القانوني سليم:
• رخصة تشغيل وتجديدات متكررة منذ 2006.
• إيصالات دفع إيجار سنوي للدولة مقابل استغلال جزء من حرم الطريق كتشوين للسيارات.
• وثائق رسمية وصور من الكاميرات تُظهر عملية التكسير والمصادرة.
هذه الوثائق تكشف أن الدولة لم تكن تواجه مخالفة فادحة أو تعديًا على أملاكها، بل تتصرّف ضد منشأة قائمة ومرخصة، ما يطرح سؤالًا محوريًا: هل أصبح المرور أمام منشأة كافيًا لإزالتها؟
الإدارة بالقوة لا بالقانون
هذه الواقعة ليست حادثًا فرديًا، بل تعبّر عن نمط إداري متكرر في عهد الحكومة الحالية: القرارات تُتخذ ميدانيًا بلا مراجعة قانونية، ويُنفذها المسؤولون بحثًا عن “إرضاء الأعلى”، ولو على حساب العدالة.
حين يتحوّل محافظ إلى منفذ فوري لتوجيه شفهي من رئيس الوزراء، دون إذن قضائي أو قرار إزالة رسمي، فهذا يعني أن السلطة أصبحت تتجاوز القانون بدل أن تخضع له.
النتيجة ليست فقط هدم مبنى، بل هدم الثقة بين المواطن والدولة — حين يشعر المستثمر الصغير أو التاجر أنه يمكن أن يُسحق في أي لحظة لأن موكبًا مرّ من أمامه.
استغاثة وتجاهل
قدّم حسام علي استغاثة رسمية إلى رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء نفسه، ووزير الداخلية، مرفقة بالفيديوهات والمستندات القانونية. وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يصدر أي تعليق رسمي من الجهات الثلاث، بينما ظلّت بقايا الخرسانة المهدّمة شاهدة على واقعة “هدم بقرار عابر”.
حين تزيَّن المدن، يُهدم الناس
تحت شعار “تجميل الصورة”، يتم في مصر هدم منشآت قائمة منذ سنوات، في مشهد يُعيد للأذهان منطق الحكم الإداري القديم القائم على “العقاب لا الإصلاح”.
حادثة “معرض الشيخ علي للسيارات” ليست مجرد أزمة فردية، بل مرآة لتغوّل السلطة التنفيذية على سيادة القانون، حيث تُختزل هيبة الدولة في جرافة، وتُختصر التنمية في إزالة بلا محاسبة.
ويبقى السؤال: من سيعيد لمواطن بسيط حقه حين يهدمه موكب؟