في يوم السبت، 18 أكتوبر 2025، شهدت الولايات المتحدة الأمريكية لحظة تاريخية فاصلة، حيث اندلعت أضخم موجة احتجاجات منسقة في يوم واحد في تاريخها الحديث. خرج ما يقدر بنحو سبعة ملايين مواطن أمريكي إلى الشوارع في أكثر من 2,700 موقع عبر جميع الولايات الخمسين، في حراك شعبي هائل تحت شعار "لا للملوك" (No Kings).
لم تكن هذه مجرد مظاهرات، بل كانت بمثابة استفتاء شعبي على ولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية، وبيان قوي ضد ما وصفه المنظمون بـ"الزحف نحو الاستبداد وتجاوز السلطات الدستورية". وقد وصفت وسائل الإعلام هذا اليوم بأنه "أكبر يوم احتجاج في تاريخ الولايات المتحدة الحديث"، مما يعكس عمق الانقسام والسخط في البلاد.
https://youtu.be/fyZDd3xHdms
الأعداد والنطاق الجغرافي: انتشار غير مسبوق
كان حجم التعبئة مذهلاً. المشاركة التي بلغت سبعة ملايين شخص تمثل أكثر من 2% من إجمالي سكان الولايات المتحدة، وهو رقم ضخم يعكس مدى اتساع نطاق المعارضة. لم تتركز الاحتجاجات في معاقل الديمقراطيين فحسب، بل انتشرت كالنار في الهشيم لتشمل الولايات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء، مما يؤكد أن الحركة تجاوزت الانقسامات الحزبية التقليدية.
الولايات والمدن الرئيسية
شملت الاحتجاجات جميع الولايات الخمسين. وكانت التجمعات الأضخم في:
- نيويورك: شارك أكثر من 100 ألف شخص في منطقة تايمز سكوير والمناطق المحيطة بها.
- واشنطن العاصمة: تجمعت حشود هائلة بالقرب من مبنى الكابيتول والبيت الأبيض في مشهد رمزي يهدف إلى إيصال رسالة مباشرة لصناع القرار.
- كاليفورنيا: شهدت مدن لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو مسيرات ضخمة.
- إلينوي وتكساس: خرج الآلاف في مدن كبرى مثل شيكاغو، دالاس، وأوستن.
- فرجينيا وماريلاند: تزامنت المظاهرات في هذه الولايات مع احتجاجات العاصمة لزيادة الزخم.
- عدد المواقع: تم تسجيل فعاليات احتجاجية في أكثر من 2,700 موقع، وفي روايات أخرى 1,700 مدينة وموقع، مما يدل على التنظيم الدقيق واللامركزي للحركة.
https://www.youtube.com/watch?v=HRic4VQNRA0&t=3s
المطالب الأساسية: دفاع عن الديمقراطية وقضايا اجتماعية
توحد المحتجون تحت شعار "لا للملوك"، لكن مطالبهم كانت متعددة الأوجه، وتمثل مزيجاً من المخاوف السياسية والقضايا الاجتماعية الملحة.
المطالب السياسية والدستورية
كان الهدف الأسمى هو "مقاومة الاستبداد" ورفض ما اعتبروه توسعاً خطيراً في السلطات الرئاسية.
رفع المتظاهرون لافتات تطالب بـ"حماية الدستور" و"وقف الفاشية"، بل وطالب بعضهم صراحة بـ"محاكمة ترامب" ومسؤولين في إدارته.
المطالب الاجتماعية والاقتصادية
عبر المحتجون عن غضبهم من سياسات محددة، شملت:
الهجرة: الاحتجاج على سياسات الترحيل الجماعي ووقف الملاحقات التي تقوم بها إدارة الهجرة والجمارك (ICE).
الرعاية الصحية: المطالبة بتوفير "الرعاية الصحية للجميع" وحماية البرامج القائمة.
الإغلاق الحكومي: التنديد باستمرار الإغلاق الحكومي الذي دخل أسبوعه الثالث وأثر على حياة الملايين.
الحقوق المدنية: الدفاع عن الحقوق المدنية وحريات التعبير والتجمع.
شعارات ولافتات: عكست اللافتات المرفوعة تنوع المطالب، ومن أبرزها: "لا ترامب، لا فاشية في الولايات المتحدة"، "قاوم"، "دولتنا صغيرة لتموت الآن"، وحتى لافتات تطالب بنشر ملفات جيفري إبستين، في إشارة إلى قضايا الفساد التي يرون أنها تتشابك مع السلطة السياسية.
موقف ترامب: مزيج من السخرية والتجاهل والإجراءات الأمنية
كان رد فعل الرئيس ترامب على هذه الاحتجاجات التاريخية متعدد الأوجه، لكنه تمحور حول التقليل من شأنها والسخرية منها، مع اتخاذ إجراءات أمنية احترازية.
- التصريح الرسمي: على متن طائرة الرئاسة "إير فورس وان"، قال ترامب عن المتظاهرين: "إنهم لا يمثلون هذا البلد"، في محاولة واضحة لنزع الشرعية عنهم وتصويرهم كأقلية هامشية لا تعكس رأي الأغلبية.
- الرد الساخر: كان الرد الأبرز عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشر ترامب والبيت الأبيض سلسلة من مقاطع الفيديو الساخرة التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي. أشهر هذه المقاطع يظهر ترامب مرتدياً تاجاً ويحلق بطائرة مقاتلة فوق حشد من المتظاهرين ويلقي عليهم "قاذورات" أو سائلاً بنياً، في مشهد أثار غضباً واسعاً واعتبره النقاد استخفافاً خطيراً بالمعارضة السلمية.
- الإجراءات الأمنية: لم يكتف ترامب بالرد الإعلامي، بل اتخذ خطوات عملية. فقد غادر واشنطن العاصمة متوجهاً إلى مقر إقامته في مار-أ-لاغو بولاية فلوريدا عشية الاحتجاجات. كما وضع حكام جمهوريون في عدة ولايات قوات الحرس الوطني في حالة تأهب، وتم إنزالها بالفعل في بعض المناطق تحسباً لأي اضطرابات.
السياق والانقسام
لم تكن هذه المظاهرات وليدة اللحظة، بل جاءت تتويجاً لصيف مضطرب وبعد جولة أولى من احتجاجات "لا للملوك" في يونيو 2025، والتي شهدت مواجهات في لوس أنجلوس أدت إلى اعتقال العشرات ونشر الحرس الوطني.
لكن احتجاجات أكتوبر كانت أضخم بكثير، حيث تضاعفت أعداد المشاركين أربع مرات تقريباً. وقد عكست هذه الأحداث انقساماً وطنياً عميقاً؛ فبينما أشاد بها قادة ديمقراطيون مثل بيرني ساندرز وتشاك شومر كـ"تعبير عن حب الديمقراطية"، وصفها رئيس مجلس النواب الجمهوري بأنها "مسيرات كراهية".
وبهذا، تحولت شوارع أمريكا إلى ساحة معركة رمزية حول هوية البلاد ومستقبل ديمقراطيتها.