قالت ورقة لموقع "الشارع السياسي" إن حملة واسعة متعددة الجوانب والزوايا والأبعاد، استخدمت فيها كل إمكانات الدول ومؤسساتها للتخديم على أجندة السلطة للحد من نسل المصريين وتقليل أعدادهم حتى تتواكب مع معدلات التنمية المنخفضة التي يحققها النظام.


الآلة الإعلامية

وأشارت الورقة أولا إلى أن الانقلاب يوظف الإعلام بقوة أداة مؤثرة في الحملة من (الفضائيات والصحف والمواقع ومواقع التواصل الاجتماعي) لإقناع المصريين بضرورة الحد من النسل تحت لافتة تنظيم الأسرة.

وأشارت الورقة إلى أن الجملة وظفت أيضا "المركز القومي للسينما" الذي أعلن إنتاج عدة أفلام وسهرات درامية تناقش الموضوعات المتعلقة بالزيادة السكانية بهدف توعية المرأة والمقبلين على الزواج بضرورة تنظيم الأسرة.

واستهدفت هذه الأفلام "كل طوائف المجتمع وخاصة المجتمع الريفي"، وعرضت الأفلام في كل محافظات وقرى مصر من خلال المسارح المتنقلة الخاصة بوزارة الثقافة.

وتحول الحملة جملة "الحد من النسل" إلى مفاهيم يمكن أن تكون مقبولة اجتماعيا مثل "الأسرة الصغيرة"، و"كثرة الإنجاب"، و"حق الأسرة في تحديد عدد أبنائها"، و"تأمين حقها في الحصول على وسائل تنظيم الأسرة"، و"مساعدة الدولة في توفير التعليم والصحة والتأمين الاجتماعي لكل فرد في المجتمع".

وعمليا دشنت الحملة عناونا جديدا وهو حملة "2 كفاية" للحد من الزيادة السكانية، والذي استهدف  أكثر من مليون سيدة من المستفيدات من برنامج تكافل وكرامة.

المؤسسة الدينية
الورقة التي كانت بعنوان "شماعة «الزيادة السكانية».. لماذا يتبنى السيسي مزاعم مالتوس ويتجاهل نظرية بن خلدون؟" ركزت بشكل مؤثر على توظيف السيسي المؤسسة الدينية لتسويغ أجندة النظام وإضفاء مسحة دينية زائفة على مواقف السلطة؛ من النسل.

وألمحت إلى أن التوظيف كان واضحا في خطبة جمعة خصصها وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، عنوانها "تنظيم النسل قضية أخذ بالأسباب الشرعية"، محذَّرا أئمة الأوقاف من الخروج عن مضمون الخطبة المحدد. وخرج  الوزير في خطبة جمعة بأحد مساجد المنوفية ليزعم أن العقم قد يكون نعمة من الله.

إلا أنه اعتبر في خطبته أن "لجوء بعض الأزواج الذين لم يرزقوا بالذرية إلى الوسائل الطبية من أجل الإنجاب شكلا من أشكال الاعتراض على حكم الله"!

ومن مؤسسة إلى أخرى حيث دشنت "دار الإفتاء" حملة تحت هاشتاج ( تنظيم النسل جائز)، للتأكيد على جواز تنظيم النسل، فيما أكد أمين الفتوى بالدار، خالد عمران، أن تنظيم النسل من الإسلام.

وفي مداخلة هاتفية مع برنامج أحمد موسى "على مسؤوليتي" المذاع على قناة (صدى البلد) قال: "..تنظيم النسل ليس بدعة ولا يتعارض مع شرع الله.. وكان معمولًا به أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وأن الصحابة كانوا يعزلون بعلم الرسول محمد صلى عليه وسلم لأسباب كثيرة منها رعاية لصحة الأم وجودة النسل للحفاظ عليهم".

المثير للدهشة هو طلب  طلعت عبدالقوي، رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، في 2018م بإعادة النظر في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: تكاثروا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة"، معتبرا أن ذلك من الموروثات الثقافية والمعتقدات الدينية الخاطئة!!

أين الكنيسة؟!
وسجلت الورقة ملاحظتين بشأن التوظيف السياسي للمؤسسة الدينية لخدمة أجندة السلطة في ملف تحديد النسل، وهو أن المؤسسة الدينية الإسلامية الرسمية شاركت في التخديم على أجندة السلطة بكل طاقتها بينما اختفت المؤسسة الدينية النصرانية، ولم يسمع للكنيسة في هذا الأمر صوت؟

وأوضحت الورقة أن الكنيسة تحرم تحديد النسل، كما أنها تحض رعاياها على زيادة النسل لزيادة عدد رعايا الكنيسة التي عادة ما تعمل على تضخيم نسبة الأقباط في مجتمع تصل نسبة المسلمين فيه نحو95% من جملة السكان.

ولفتت إلى أن "مشاركة الكنيسة في هذه الحملات سيجعل الكنيسة في تناقض كبير؛ حيث سيكون خطابها موجها لرعاياها الذين تحرضهم على زيادة النسل دون اكتراث من جانب النظام وكأنهم ليسوا مصريين وليسوا معنيين بأزمات النظام مع شماعة الزيادة السكانية".

الحد والتنظيم
أما الملاحظة الثانية، فهو الخلط الذ تتعمده المؤسسة الدينية الرسمية الإسلامية لتمارس الخداع والتضليل؛ فيستخدمون مصطلح تنظيم النسل في الإشارة إلى مفهوم الحد من النسل؛ فالحكومة تتبنى الثاني وهومحرم وفقا لفتاوى المجامع الإسلامية ومشايخ الأزهر، بينما لا توجد مشكلة (فقهية أوشرعية) مع تنظيم النسل.

وبناء على ما استقته من آراء المجامع الفقهية، قالت إن "الإسلام لا يمنع تنظيم النسل، ولا يمنع إكمال مدة الرضاعة الطبيعية إلى عامين.. ولا حرج أن تستريح المرأة بعد ذلك سنة مثلا.. ولا أن يكون الفارق بين الطفلين أربع سنوات وربما أكثر.. ولا بأس من استخدام الوسائل التي تؤخر الحمل خلال هذه الفترة، أما تحديد النسل من خلال الإعلان عن الاكتفاء بطفلين أوثلاثة مثلا، فحرام شرعا ويخالف نصوص الدين وثوابت الشريعة".

ونبهت الورقة إلى أن ما أكدته المجامع الفقهية التي تتحرك تحت مظلة المسؤولية الشرعية بعيدا عن التوجيهات الحكومية، ومن ذلك ما صدر عن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي.

ورأي المجلس أنه "تضافرت بذلك النصوص الشرعية من كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودلت على أن القول بتحديد النسل، أومنع الحمل، مصادم للفطرة الإنسانية، التي فطر الله الناس عليها، وللشريعة الإسلامية، التي ارتضاها الله تعالى لعباده".

واعتبرت الورقة أن دعاة تحديد النسل، أومنع الحمل، فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين؛ لتقليل عددهم بصفة عامة، وللأمة العربية المسلمة، والشعوب المستضعفة بصفة خاصة؛ حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد، واستعباد أهلها، والتمتع بثروات البلاد الإسلامية.

الأداة التشريعية
وأشارت الورقة إلى استخدام الانقلاب "البرلمان" العسكري، لسن تشريع جديد لتحديد النسل والحد من الزيادة السكانية؛ وذلك لأول مرة في تاريخ مصر!

النائبة ببرلمان العسكر هالة أبوالسعد، وكيل لجنة المشروعات الصغيرة بالمجلس، قال إن المشروع المقدم منها للحد من الزيادة السكانية ليواجه الخطر (عدد السكان) الذي يهدد البلاد ويضرب أمنها القومي.

ودعت وزيرة التضامن الاجتماعي بحكومة الانقلاب، غادة والي، 15 فبراير 2021م، إلى فرض عقوبة قانونية على كثرة الإنجاب، للمساهمة في الحد منه، بعدما اعتبرت أن الزيادة السكانية وراء 9 ملايين طفل في مصر تحت خط الفقر، يفتقرون للحد الأدنى من الرعاية!

أما لجنة الأمن القومي بالبرلمان السابق قد أوصت في 2018م بتحفيز الأسر التي تنجب طفلا واحدا  وإصدار الدولة شهادات شرفية للوالدين اللذين يقرران ذلك من تلقاء نفسيهما، وإعفاء الطفل الوحيد من الرسوم الدراسية في مراحل التعليم المختلفة الابتدائي والمتوسط والجامعي، وإعطاء أولوية في العمل للطفل الوحيد حين يصل إلى سن العمل.

وذلك بخلاف توصيات البرلمان برفع سن الزواج وتوفير وسائل منع الحمل ودمج برامج التوعية بشأن الأسرة والسكان والحد من الزيادة السكانية في برامج التعليم المختلفة.

 

معاقبة الأسر
الأداة الرابعة وهي معاقبة الأسر التي لديها 3 أطفال ومكافأة الأسر التي لديها طفلان فقط، حيث أعلن مصطفى مدبولي رئيس حكومة السيسي أواخر نوفمبر 2018، حصر الدعم النقدي في برنامج المساعدات النقدية المشروطة (معاش تكافل وكرامة) بالأسر التي تضم طفلين فقط، واستبعاد الأسر التي تضم ثلاثة أطفال فأكثر (مليون أسرة تقريباً).

وكشفت الورقة أن هذه الأداة فعلت دون انتظار تشريع وهو ما جرى العمل به اعتباراً من بداية يناير 2019م، بدعوى إتاحة الفرصة لدعم المزيد من الأسر الصغيرة، كاشفا كذلك أن الحكومة تدرس أكثر من سيناريو حاليا لترشيد الدعم العيني. وطالب  جميع مؤسسات الدولة بالعمل على الحد من الزيادة السكانية، والتي وصلت إلى 2.5 مليون نسمة، وفقا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.