مع أول منخفض جوي اجتاح الأراضي الفلسطينية، ظهرت ملامح مأساة جديدة تضاف إلى معاناة نازحي قطاع غزة الذين يعيشون في خيام مهترئة منذ أشهر طويلة نتيجة العدوان الإسرائيلي. الأمطار الغزيرة لم تكن مجرد ظاهرة طبيعية، بل كشفت العراء الذي يعيش فيه عشرات الآلاف ممن فقدوا منازلهم ومأواهم، في مشهد يتكرر كل شتاء، لكنه أكثر قسوة هذا العام. فالأطفال يرتجفون من البرد، والخيام تغرق، والأمراض تنتشر، والاحتلال لا يتوقف عن الاعتقال والتنكيل بالضفة الغربية.
خيام غارقة وبرد قاتل: نازحو المواصي في قلب الكارثة
في منطقة المواصي غرب خان يونس، غرقت عشرات الخيام بفعل الأمطار، تاركة نازحين بلا مأوى ولا غطاء، في مشهد يجسّد العجز الإنساني أمام مأساة مستمرة منذ أكثر من عامين. النازحة سالي أبو خاطر اضطرت للفرار من خيمتها برفقة أطفالها بعد أن غمرتها المياه ليلاً. أما أم محمد ذات الستين عامًا، فلم تجد سوى خيمة الجيران لتحتمي فيها مع أبنائها وحفيدها الذي ارتجف حتى البكاء.
تخيل أن يصل الحال بطفل ليقول "يا الله خذنا"
— MO (@Abu_Salah9) November 14, 2025
هذه اصعب فصول الابادة الصامتة، ترك الناس تموت وتغرق وتمرض في خيام ممزقة. pic.twitter.com/KGOte0yPi5
الشتاء في غزة لم يعد فصلًا من الطبيعة، بل كارثة جديدة تكشف عجز الحكومة الفلسطينية وتواطؤ المجتمع الدولي في تجاهل مأساة إنسانية لا تطاق.
النازحون يدفعون الثمن: خيام ممزقة وأسعار باهظة
الخيام، التي من المفترض أن تكون وسيلة حماية مؤقتة، تحوّلت إلى عبء جديد على العائلات النازحة. بحسب أم محمد، فإن سعر الخيمة الواحدة في السوق وصل إلى أكثر من 500 دولار، مبلغ يستحيل على غالبية الأسر النازحة توفيره في ظل وضع اقتصادي مدمر.
"أنا سقعانة كتير".. صرخة طفلة غزية ترتجف من برد قارس يفوق قدرتها على التحمل، لتكشف عن معاناة أهل غزة في مواجهة شتاء قاس، حيث لا يقيهم من البرد سوى خيام مهترئة بالكاد تؤمن لهم الدفء والحماية. pic.twitter.com/ZbsBAuajha
— مجلة ميم.. مِرآتنا (@Meemmag) November 15, 2025
السؤال المؤلم: كيف تباع الخيام في السوق، بينما لا تزال آلاف العائلات في غزة تعيش في خيام متهالكة لم تُستبدل منذ بدء الحرب؟ وأين المساعدات؟ وأين رقابة الحكومة على التوزيع العادل للإغاثة؟
الأطفال ضحايا أول من يُدفع الثمن
النازح صلاح زنون يروي مأساة طفليه اللذين نُقلا إلى المستشفى بسبب نزلات معوية حادة ناجمة عن برودة الخيمة وسوء التهوية وتقلب الطقس. مأساة تتكرر في آلاف الخيام المنتشرة في غزة، حيث لا توجد رعاية طبية، ولا خدمات صحية، ولا حتى فراش جاف يحمي الطفولة من أمراض الشتاء.
بينما ترتفع شعارات "الدعم الإنساني"، يعيش الفلسطيني في واقع غير إنساني، يُعامل فيه كرقم في تقارير الإغاثة، لا كإنسان له حق في الدفء والكرامة.
الاحتلال يواصل جرائمه في الضفة دون رادع
في وقت يتجمد فيه نازحو غزة من البرد، لا يكفّ الاحتلال عن عدوانه في الضفة الغربية. فجر السبت، شنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات جديدة طالت 15 فلسطينيًا من نابلس وقلقيلية ورام الله، بينهم أسرى محررون وشبّان من المخيمات والقرى.
ووفق مؤسسات الأسرى، فقد بلغت حالات الاعتقال منذ 7 أكتوبر 2023 أكثر من 20,500 حالة، في مؤشر على حملة تنكيل ممنهجة تستهدف الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، دون توقف، ودون محاسبة دولية تردع الاحتلال عن جرائمه المتكررة.
أين الضمير العالمي؟
في ظل هذا الواقع القاتم، يبدو الصمت الدولي أكثر إيلامًا من المطر ذاته. أين الأمم المتحدة؟ أين منظمات الإغاثة؟ أين الدول التي تلوّح بحقوق الإنسان في كل محفل؟
إن ما يجري في غزة والضفة الغربية هو جريمة متعددة الأوجه: تهجير، إهمال، قصف، حصار، واعتقال جماعي... كل ذلك تحت نظر العالم الذي لم يحرّك ساكنًا.
غزة تنزف... فهل من سامع؟
شتاء غزة ليس مجرد فصول باردة، بل شهادة مستمرة على خذلان العالم لشعب يُطارد في بيته ومخيمه وخيمته. وبين خيام غارقة، واعتقالات يومية، وموت بطيء بفعل البرد والجوع، يقف الفلسطيني وحده، مدافعًا عن كرامته وحقه في الحياة.
الاحتلال يقتل، والحكومات تتفرج، والعالم يصمّ أذنه، لكن غزة ستبقى، وستقاوم، وستدفن عار المتفرجين تحت أنقاض خيامها المبللة.

