بينما تُعلن حكومة عبد الفتاح السيسي عن مشروع جديد بالتعاون مع شريك صيني لإنشاء مصنع للحاويات المبردة داخل المنطقة اللوجستية بميناء الإسكندرية، لا يرى كثيرون في هذا التحرك سوى خطوة جديدة ضمن سلسلة مشاريع تُدار بلا شفافية، وتهدر المال العام لصالح مستثمرين أجانب، تحت غطاء الشراكة، وسط انهيار اقتصادي متسارع وتخبط سياسي يعمّق التبعية. فهل نحن أمام مشروع تنموي حقيقي؟ أم محاولة مفضوحة لتلميع صورة سلطة فقدت ثقة الداخل والخارج؟

 

شراكة مريبة بلا شفافية: أين تفاصيل الاتفاق؟

 

المعلومات المتاحة حتى اللحظة حول هذا المشروع – الذي قُدّرت تكلفته للمرحلة الأولى بنحو مليار جنيه – ضبابية ومبهمة. مصدر "مطّلع" رفض ذكر اسمه، ومفاوضات لم تُحسم بعد، وغياب لأي إعلان رسمي من الجانب المصري أو الصيني يكشف تفاصيل نسب الشراكة أو عائد الدولة الحقيقي من المشروع.

 

أين نصوص الاتفاق؟ من يملك المصنع؟ من يديره؟ ما دور الحكومة؟ ما آليات الرقابة؟

 

غياب هذه الإجابات يؤكد أن حكومة السيسي مستمرة في إدارة موارد الدولة وكأنها شركة خاصة تُدار من خلف الأبواب المغلقة، في ظل غياب تام للرقابة البرلمانية أو الشعبية.

 

بيع الأصول أم تطوير الصناعة؟ خدعة جديدة باسم "التنمية"

 

يأتي هذا المشروع ضمن سلسلة مما يسمى بـ"الشراكات الدولية" التي تستخدمها حكومة الانقلاب لتبرير تفريطها في أصول الدولة ومقدراتها. ما يبدو على الورق كخطة "لتحقيق الاكتفاء الصناعي وتوطين التكنولوجيا"، هو في حقيقته تخطيط مكشوف لمنح المستثمرين الأجانب اليد الطولى داخل البنية التحتية المصرية، مقابل تمويل مؤقت لا يلبث أن يتحول إلى قروض إضافية أو تبعية اقتصادية.

 

مصنع الحاويات المبردة، إذًا، قد يتحول إلى نموذج جديد من التبعية الصناعية، حيث التوريد صيني، والإدارة صينية، والربح في الخارج، فيما تبقى مصر مجرد ساحة تصنيع بلا سيادة.

 

ميناء الإسكندرية: تطوير مريب في خدمة أطراف خارجية

 

تفاخر الحكومة بتجهيز 273 فدانًا في المنطقة اللوجستية المحيطة بالميناء، بتمويل قدره 665 مليون جنيه، وكأنها إنجاز اقتصادي غير مسبوق. لكن الحقيقة أن هذا التطوير يأتي ضمن خطة طويلة لتهيئة الموانئ المصرية لخدمة مستثمرين أجانب، دون وجود خطة واضحة لتمكين الكوادر المحلية أو ضمان استفادة الاقتصاد الوطني من هذه المشروعات.

 

ما معنى أن تستثمر الدولة مئات الملايين في بنية تحتية لصالح شركات صينية، بينما يرزح المواطن تحت وطأة الضرائب والغلاء والتقشف؟

 

الحكومة تتفاخر بالأرقام.. والشعب لا يجد الغذاء

 

في الوقت الذي تتحدث فيه وزارة الزراعة عن صادرات زراعية بـ10.7 مليار دولار، تستورد مصر معظم غذائها الأساسي، وتعاني من تضخم غذائي تجاوز 35% بحسب بيانات مستقلة.

 

فمن يستفيد من هذه الصادرات؟ وهل دعم الحكومة لمصالح التصدير يأتي على حساب قوت الشعب؟

 

الحاويات المبردة تخدم التصدير، لكن المواطن المصري لا يجد الفاكهة أو الخضار إلا بأسعار باهظة، في حين تُحمى أرباح المصدرين بسياسات تجويع داخلية.

 

الموانئ المصرية تحت التهديد: الخصخصة مقنّعة

 

الحديث عن فتح خطين بحريين إلى إسبانيا واليونان، وتحقيق "أعلى معدلات تداول في تاريخ ميناء الإسكندرية" يبدو مثيرًا، لكن الواقع يقول إن الموانئ المصرية تُدار الآن بعقلية المقاول لا الدولة. فكل خطوة تطوير تُربط بشركات أجنبية أو مقاولات عسكرية، ولا يوجد أي سياسة لتمكين الشركات الوطنية أو تعزيز السيادة البحرية.

 

مشاريع بلا اقتصاد.. وقرارات بلا وطن

 

مشروع الحاويات المبردة ليس سوى نموذج آخر لإدارة البلاد بمنطق البيع والتنازل والتفريط، في غياب أي خطة اقتصادية متماسكة.

 

تحت حكم الانقلاب، تُختزل "التنمية" في مشروعات مبهرة شكليًا، لكنها تعمّق الفقر، وتكرّس التبعية، وتغيب فيها مصلحة المواطن لصالح شركاء النظام في الداخل والخارج.