كان من ثمرةِ الجهد الذي بذله الإمام "البنا" في الإسماعيلية طيلة ستة أشهر من شهر سبتمبر 1927 حتى شهر مارس 1928م ودعوته في المقاهي والزوايا، وحنكته في التعامل مع طوائف البلد المختلفة أن تأثر بدعوته كثير من رواده بالمقاهي والزوايا، وبلغ هذا التأثير مداه عند ستة من العمال والحرفيين بالمدينة الذين زاروا الإمام في بيته؛ ليضعوا أرواحهم وأموالهم بين يديه لتوظيفها لخدمة هذا الدين، فكانت البيعة ونشأة الجماعة.


في هذا يقول الإمام الشهيد في مذكراته: "في ذي القعدة 1347هـ مارس 1928 م- خلط الإمام "البنا" تاريخ التأسيس الفعلي وهو المذكور بالتقويم الميلادي مع تاريخ التأسيس الرسمي بالتقويم الهجري وهما غير متوافقين- زارني بالمنزل أولئك الإخوة الستة: حافظ عبدالحميد (نجار)، وأحمد الحصري (حلاق)، وفؤاد إبراهيم (مكوجي)، وعبد الرحمن حسب الله (سائق وميكانيكي)، وإسماعيل عز (جنايني)، وزكي المغربي (عجلاتي)، وهم من الذين تأثَّروا بالدروس والمحاضرات التي كنت أُلقيها، وجلسوا يتحدثون إليَّ وفي صوتهم قوَّة، وفي عيونهم بريق، وعلى وجوههم سنا الإيمان والعزم، وقالوا:


"لقد سمعنا ووعينا وتأثَّرنا، ولا ندري ما الطريق العملي إلى عزة الإسلام وخيره؟ ولقد سئمنا هذه الحياة.. حياة الذلة والقيود، وها أنت ترى أن العرب والمسلمين في هذا البلد لا حظَّ لهم في منزلة أو كرامة، وأنهم لا يعدون مرتبة الأجراء التابعين لهؤلاء الأجانب، ونحن لا نملك إلا هذه الدماء، تجري حارَّة بالعزة في عروقنا، وهذه الأرواح تسري مشرقةً بالإيمان والكرامة مع أنفاسنا، وهذه الدراهم القليلة من قوت أبنائنا، ولا نستطيعُ أن ندرك الطريق إلى العمل كما تُدرك، أو نتعرف السبيل إلى خدمة الوطن والدين والأمة كما تعرف.


وكل الذي نريده الآن أن نقدم لك كل ما نملك لنبرأ من التبِعَة بين يدي الله، وتكون أنت المسئول بين يديه عنَّا، وعما يجب أن نعمل، وإنَّ جماعةً تعاهد الله مخلصةً على أن تحيا لدينه وتموت في سبيله، لا تبتغي بذلك إلا وجهه، لجديرةٌ أن تُنصَر وإنْ قلَّ عددها، وضعُفت عدتها، كان لهذا القول المخلص أثره البالغ في نفسي، ولم أستطع أن أتنصل من حمل ما حملت؛ وهو ما أدعو إليه وأعمل له، وما أحاول جمع الناس عليه.


فقلت لهم في تأثر عميق: "شكر الله لكم، وبارك هذه النية الصالحة، ووفقنا إلى عمل صالح يُرضيه وينفع الناس، وعلينا العمل وعلى الله النجاح، فلنبايع الله على أن نكون لدعوة الإسلام جندًا، وفيها حياة الوطن وعزة الأمة.. وكانت بيعةً، وكان قسمًا أن نحيا إخوانًا نعمل للإسلام ونجاهد في سبيله، وقال قائلهم: بم نسمِّي أنفسنا؟ وهل نكون جمعيةً أو ناديًا أو طريقة أو نقابة؛ حتى نأخذ الشكل الرسمي؟؟ فقلت: لا هذا ولا ذاك، دعونا من الشكليَّات ومن الرسميات، وليكن أول اجتماعنا وأساسه الفكرة والمعنويات والمعطيات، نحن إخوة في خدمة الإسلام، فنحن إذن (الإخوان المسلمون).


وجاءت بغتةً، وذهبت مثلاً، ووُلدت أول تشكيلة للإخوان المسلمين من هؤلاء الستة حول هذه الفكرة، على هذه الصورة وبهذه التسمية.