بقلم : الدكتور أحمد نصار 

 
الانقلاب في مصر شأنه شأن كثير من الانقلابات التي شهدها العالم في الـ100 عام الأخيرة. قوة مسلحة بقيادة شخص طامح في السلطة، يستولي على الحكم وينكل بالمعارضين. وإذا كان الوطن: إقليم ومؤسسات وشعب، فإن الانقلاب يستغل "المؤسسات" في إخضاع "الشعب" حتى لو أدى ذلك إلى التفريط في أمن "الإقليم".
ومصير الانقلاب في مصر ونهايته مثل أي انقلاب آخر، دون كثير من التفاصيل أو التحاليل؛ إما أن يسقط الانقلاب سريعا، أو أن يستمر في الحكم بضع سنين أو ربما بضع عقود.
***
أراد الانقلاب منذ اليوم الأول الحصول على الشرعية، والشرعية كانت تأتي بالأساس من استقالة الدكتور مرسي وتنحيه، وهو الذي تمسك بالشرعية وأعلن أنه سيفديها بحياته، ولن يشرعن عملية سرقة هذه الثورة أو هذا الوطن.
التفت السيسي بعدها لجماعة الإخوان، الفصيل الوحيد الذي يمكنه الإعلان عن مسؤوليته عما يجري في الشارع من مظاهرات. أراد السيسي من الإخوان حدوث شيء من اثنين:
أ- الضغط عليهم والتلويح بعصا غليظة، بهدف الرضوخ للأمر الواقع والقبول بالانقلاب، منها:
- التهديد بحل الجماعة ثم حلها بالفعل.
- ثم التهديد بإعلانها إرهابية، ثم إعلانها إرهابية بالفعل.
- ثم الإعلان عن محاكمةالرئيس والمرشد وقيادات الإخوان ثم محاكمتهم بالفعل. 
- ثم الحكم بإعدامات بالجملة على قيادات الإخوان والمئات من أنصارهم!
كل ذلك كان هدفه حتى الرضوخ للأمر الواقع والقبول بالانقلاب وهو ما لم يحدث.
ب- الضغط على بعض قيادات الإخوان بهدف إنشاء قيادة بديلة، وتوجيه رسائل سلبية لقواعدهم وأنصارهم تصرف النظر عن المتسبب الحقيقي في الانقلاب والقتل والقمع، وتؤطر الموضوع في إطار أن الإخوان أضاعوا التجربة الإسلامية بسذاجتهم وأخطائهم، وكأن الجيش لم يكن يبيت نية الانقلاب منذ 2011 وينتظر الوقت المناسب! والهدف: حدوث انشقاقات داخل جماعة الإخوان، تتيح للانقلاب فرصة للبقاء.

أحيانا يكون التلويح باستخدام القوة أكثر فائدة من استخدام القوة نفسها. فالسيسي في عام واحد استغل كل أوراقه التي يمكن أن يضغط بها على الإخوان حتى لم يعد لديهم شيئا يبكون عليه، وقطع عليهم اي فرصة للتراجع، وأصبح تفكير الصغير والكبير فيهم - وكل رافضي الانقلاب كبار - القصاص من هؤلاء المجرمين جميعا.
***
لقد تقدم العسكري السيسي في رقعة شطرنج الانقلاب من مكانه التقليدي في الخلف إلى الأمام وبسرعة، حتى وصل لنهاية الرقعة. ثم ترقى العسكري إلى رئيس، ولم يعد أمامه خطوات جديدة يخطوها! وصار عليه أن يلتفت إلى الوطن الذي صار رئيسا له، وإلى الشعب الذي صار رئيسا عليه، وأن يواجه غضبهم الشديد وتطلعاتهم الكثيرة التي انتظروها منه ووعدهم بها وعدا غير مكتوب، بدوران العجلة وجلب الاستقرار. فإذا به يلغي الدعم، ويرفع الاسعار ويعلن أنه لن يعطيهم شيئا وأنهم هم أنفسهم من عليهم الصبر والتقشف والتبرع!
***
وعليه، فإننا أمام ذات الاحتمالين اللذين تقدمت بالإشارة إليهما:
1- احتمال سقوط قريب للانقلاب:
______________________
عدم استقرار الوضع للسيسي، وفتحه باب الانقلابات في الجيش، وغضب الشارع عليه، وتأكد رجال الأعمال أن مصلحتهم صارت بعيدة عن السيسي الذي يريد أن يأخذ من أصول رؤوس أموالهم، كل ذلك قد يدفع شخصا طموحا - أو خائفا - في الجيش، أن يتقدم خطوة للامام ليطيح بالسيسي ومن حوله، ويجلس مكانه، أملا في الوصول إلى ما وصل إليه هذا الغر الساذج، أو حفظا لرقبته ورقبة من معه من القصاص وغضبة الثوار.
وهذا الشخص إما أن سيفعلها حقا خوفا على الوطن -وأشك في ذلك - أو تكتيكا مرحليا للوصول إلى السلطة ثم التنكيل بمعاونيه والانفراد بالحكم مجددا، وهذا ما يجب الحذر منه في جميع الأحوال.
إذا زال الانقلاب بانقلاب فعلينا التركيز في ثلاث نقاط رئيسية وإلا سنستمر في هذا المستنقع عشرات السنين:
1- ضبط العلاقات المدنية العسكرية:
وهذا يتطلب شيئين عكس بعض، تقوية الجيش وجعله احترافيا يحمي الشرعية والدستور ويرابط على الحدود، وفي نفس الوقت لا يتدخل في السياسية.
2- التطهير الشامل:
دون خوف أو تردد أو توهم أن ذلك سيسقط الدولة، أو الانجرار في معارك جانبية وانتصارات عاطفية ثانوية تلهينا عن اقتلاع جذور الانقلاب من مؤسسات الدولة جميعا (جيش - شرطة - قضاء - إعلام - حكومة ...إلخ).
3- بناء أجهزة أمنية جديدة خاصة بالثورة:
لابد من إنشاء أجهزة أمنية جديدة ليست بالضرورة بديلة عن المؤسسات الحالية وإنما تكون موازية لها في القوة حتى بعد تطهيرها. مثل الحرس الثوري الإيراني ...إلخ. لم تنتصر ثورة إلا بهذا، وبدونه فلن تصمد هذه الثورة.
***
إذا حدث ذلك، واستطعنا بناء دولة قوية عادلة حديثة، تتبنى الفكرة الإسلامية الوسطية، فإن الإصطدام بإسرائيل سيكون حتميا. فلا مكان في المنطقة إلا لقدم واحدة، وصعود إسرائيل إنما كان يعتمد بالأساس على سقوط العرب. وإذا استفاقت مصر استفاق العرب، وإذا حدث ذلك، حدث الصدام مع إسرائيل بلا شك.
*** 
2-استمرار الانقلاب:
_______________
إذا استمر الانقلاب في القتل والقمع وغلاء الاسعار، ومحاولة استئصال جماعة الإخوان المسلمين، ولم تستطع جهود أنصار الشرعية في إسقاطه، ولم يتحرك الجيش للتخلص من السيسي والحفاظ على المؤسسة، فإن خروج بعض عنصار الإخوان عن منهجهم ولجوئهم للعنف، أو ظهور جماعات جديدة مناهضة للانقلاب أكثر تشددا تتبنى العنف وسيلة للتغيير، وساعتها سيكون تدخل إسرائيل على الأرض لحماية نفسها ضروريا (مثلما هددت بالقتال في الأردن لحماية نفسها من داعش إذا وصلت إلى هناك) . وعندها سيكون الصدام مع إسرائيل حتميا.
***
إن الصراع مع إسرائيل هو أصل كل الصراعات الدائرة في المنطقة. ولن يمكن فهم طبيعة هذه الصراعات أو سيناريوهات التعمل معها دون الوعي بهذا الأساس. وشئنا أم أبينا فإن الصدام مع إسرائيل - هذا الكيان اليهودي الصهيوني الاستيطاني الذي زرع في وسط عربي إسلامي - يبدو حتيما في جميع السيناريوهات.