07/12/2009

خرج عبد العظيم (65 عاما) متكئا على زوجته التي تتجاوز من العمر 60 عاما والمريضة بالكبد متوجهين من منزلهما البسيط بحي عين شمس إلى مستشفى المركز الطبي العالمي التابع للجمعية الطبية الإسلامية بأرض الجولف بمدينة نصر، أحد أرقى أحياء العاصمة المصرية القاهرة، لإجراء جلسة الغسيل الكلوي المجانية، عندما فوجئ بجرافات الحي تشرع في هدم المستشفى فيما عشرات المرضى ونحو 35 طبيبا معتصمون بداخله وحوله لمنع الهدم.

فبدون سابق إنذار أو انتظار لحكم المحكمة الإدارية المرتقب الخميس المقبل للفصل بينهما شرع حي مدينة نصر ولجنة من محافظة القاهرة أمس الأحد في إزالة مبنى المستشفى المكون من 7 أدوار بسبب خلاف على تراخيص البناء، وهو ما وصفه د/ أحمد عمر، مدير المستشفى، بأنه "قرار غير منطقي" حيث أن المبرر لهذه المهذلة أن المستشفي محسوب علي جماعة الإخوان المسلمين.

ويعد قرار الإزالة ضار بالصالح والمال العام.. فالمستشفى تخدم فقراء مصر مقابل أجر رمزي ولا تحمل ختم وشعار الإخوان على روشتاتها"، مضيفا: "نحن نفصل بين أي انتماءات سياسية وفكرية وبين أي عمل اجتماعي، ولدينا من شهادات الأجهزة الرقابية وتقارير وزارة التضامن ما يشيد بعمل الجمعية".

ورأى محللون في تلك الخطوة محاولة من الحكومة لتحجيم نشاط جماعة الإخوان الخيري الذي يزيد من شعبية الجماعة، خاصة إبان الانتخابات المحلية والتشريعية وغيرها، وهو ما بان أثره بوضوح خلال الـ17 سنة الماضية، وتحديدا مع انخراط الجماعة في عمليات إغاثة منكوبي زلزال 1992.

بداية الأزمة

وأرجع د. عمر سبب الخلاف إلى نزاع حول ترخيص بناء مبنى جديد بالمستشفى الذي وضع لبنته الأولى مؤسس الجمعية الطبية الإسلامية د. أحمد الملط والشيخ محمد الغزالي رحمهما الله عام 1993، وكان هدفهما بحسب موقع الجمعية على الإنترنت "إقامة مؤسسة طبية كبرى تقدم أرقى وأحدث وسائل العلاج بسعر التكلفة فقط (مع العلاج المجاني للفقراء والمعدمين)، وتلبي حاجة الطبقة الوسطى التي لا تستطيع  دفع تكاليف العلاج في المستشفيات الاستثمارية".

وفي هذا السياق أوضح د. عمر قائلا: "حصلنا عام 1996 على ترخيص مبنى العيادات الخارجية المكون من 3 أدوار، وفي عام 2000 رفضت السلطات منحنا ترخيصا لبناء المستشفى بسبب الانتخابات التشريعية التي جرت في ذلك العام، وكان الصراع محتدما فيها بين الإخوان والنظام، فأقمنا عددا من القضايا وربحناها فاستأنفت المحافظة وخسرت الاستئناف، ومن ثم شرعنا في بناء المستشفى وأتممناها عام 2006 على مساحة 7 أفدنة، وجهزناها  بأجهزة أشعة تتعدى تكلفتها مليوني دولار".

وتابع: "بدأنا العمل بشكل جزئي في 2007 حتى اكتملت إمكانيات المستشفى وراحت تعمل بكل طاقتها في العام الجاري 2009"، محذرا من أنه "في حالة إزالة المستشفى من الممكن أن تتعرض المنطقة المحيطة للإشعاع، وهو ما حاولنا تحذير محافظ القاهرة عبد العظيم وزير منه عبر وفد برلماني من نواب المنطقة التقوه اليوم محاولين وقف عمليات الإزالة، وهو ما وعدهم به، ولكن لم يتم".

من جانبه أكد د. أحمد صديق، المدير التنفيذي للمستشفى، أنه "بعد صدور أحكام قضائية لصالحنا امتنعت الجهات المعنية عن منحنا التراخيص، فأقمنا دعوى برقم 5105 لسنة 55 قضائية أمام القضاء الإداري وحكمت المحكمة لصالح البناء، وهو ما قمنا به، قبل أن نفاجأ منذ نحو شهرين بإنذار من الحي بإزالة المستشفى، فأقمنا دعوى جديدة من المنتظر الفصل فيها الخميس المقبل، لكن جرافات الحي استبقت الحكم وبدأت الهدم اليوم".

وأضاف د. صديق: "إدارة الجمعية حاولت الاستغاثة بالسيدة سوزان مبارك والمحافظ من خلال استغاثة مدفوعة الأجر كإعلان بالصحف القومية، إلا أننا فوجئنا برفضهم نشرها".

"الجماعة" الهدف

عصام مختار، النائب البرلماني عن حي مدينة نصر "إخوان"، كان بين الوفد الذي توجه للمحافظ طلبا لعونه في وقف تنفيذ قرار الإزالة، وعن هذه الزيارة قال: "عرضنا صور التراخيص التي حصلت عليها الجمعية، إلا أن المحافظ رفض الاطلاع عليها، وأمام إلحاحنا وعدنا بتأجيل التنفيذ، ولكن بعد ساعات من لقائنا شرعت المعدات في تنفيذ الهدم، تقريبا في تمام الثالثة ونصف عصرا".

واستهجن مختار الهدم قائلا: "يبدو أنها إستراتجية جديدة من النظام للتعامل مع أنشطة الإخوان الاجتماعية والخيرية بعد هجماته الشرسة على رجال أعمال من الجماعة وتحفظه على أموالهم واعتقاله عددا من قيادتها لإقصاء الإخوان وسحب البساط من تحت أرجلهم في الشارع المصري، خاصة قبيل الانتخابات التشريعية والرئاسية المرتقبة في 2010 و2011، وذلك على حساب المواطن البسيط"، بحسب تعبيره.

واعتقلت السلطات اليوم عشرة من قيادات الإخوان بمحافظة كفر الشيخ في دلتا مصر، وفازت الجماعة بـ20% من المقاعد في آخر انتخابات برلمانية عام 2005.

في المقابل رفض رئيس حي مدينة نصر التعليق، فيما أكد حسني عبد الدايم، مدير الإدارة المركزية للجمعيات بوزارة التضامن الاجتماعي، عدم اختصاص الوزارة في مثل هذا النزاع، مشيدا في الوقت ذاته بدور الجمعية الخدمي، بينما رفض د. عبد الرحمن شاهين، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، التعليق مشيرا إلى أن الخلاف "ليس على الرعاية الصحية أو الأداء الطبي، ولذلك ليس من حق الوزارة التدخل في الأمر".

وأشهرت الجمعية الطبية الإسلامية عام 1977 تحت شعار "نتفانى في الأداء.. ومن الله الشفاء" كانت أولى فروعها بمنطقة السيدة زينب، ولديها حاليا 23 فرعا بالقاهرة والمحافظات تقدم خدماتها لأكثر من مليوني مواطن وفق إحصاءات وزارة التضامن الاجتماعي.

معتصمون

وبين طرفي النزاع يحتشد عشرات المرضى من الفقراء الذين يتوافدون من أحياء عين شمس والمرج وغيرها أمام المستشفى الذي يقترب في خدماته من مستوى المستشفيات الاستثمارية، حيث جاءوا للمتابعة الطبية، لكنهم فوجئوا بعمليات الهدم، فقرروا الوقوف أمام الجرافات.

ومن هؤلاء عبد العظيم خضر المريض بالفشل الكلوي الذي كان يعمل ساعيا بإحدى الشركات الخاصة ثم أقعده المرض، قائلا في غضب: "أقوم بغسل الكلى هنا مرتين أسبوعيا مجانا نظرا لظروفي المادية.. كما تعالج زوجتي من مرض الكبد، وأجرت قبل شهرين عملية جراحية بالمعدة مجانا.. فلو هدمت المستشفى هنتعالج فين؟! ليه الحكومة عاوزانا (تريدنا) نموت؟!.. علشان فقراء يعني!".

وقاطعته زوجته التي ترتدي عباءتها الريفية السمراء: "يعالجوني هنا مجانا، ويصرفون لي الدواء أيضا، وإن لم يصرفوه يعطيني الأطباء من أموالهم الخاصة حقه لأشتريه من الخارج".

وفيما يحتشد المرضى حول المستشفى يعتصم بداخل المبنى الذي تستهدفه عمليات الهدم نحو 35 طبيبا من العاملين بالمستشفى، معظمهم متطوعون، وقال بعضهم"إذا كانوا (السلطات) يرون أن هذه أموال الإخوان فنحن موافقون على إخضاعها لأي جهة تشرف عليها من أجل مصلحة المواطن الفقير".

وحتى نشر هذا التقرير يبقى المشهد معلقا على جرافات الحي وهي تهدم الأدوار العليا بمبنى المستشفى بينما الأطباء معتصمون بالدور الأول والمرضى متجمهرون حول المبنى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : إسلام اون لاين