ينتظر الشعب المصري على أحر من الجمر , بل إن شئت فقل يحلمون باليوم الذي يرون فيه وطنهم حرا مستقلا آمنا مطمئنا يأتيه رزقه رغدا من كل مكان . ينتظر المصريون بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي يصير فيه كل الدم المصري حرام , وليس الدم المصري فحسب , بل عرض المصري وماله وشرفه وكرامته وسمعته وارداته . ينتظر المصريون ويحلمون بأن يقدم للعدالة العاجلة كل قاتل , وكل مجرم , وكل معتد أثيم فرط فى دماء أبناء وطنه بل وساعد على إراقته واستنزافه بغير حق . قتل المصريين بالقول والفعل والصمت والإهمال جريمة لن تسقط بالتقادم أبدا . يوم أن يصير الدم المصري رخيصا , يوم أن يكون كل شئ فى هذا الوطن رخيصا وبلاثمن وبلا قيمة . فما قيمة وطن بلا شعب كرامته محفوظة ودماؤه مصونة وأعراضه فى أمن وآمان وسلام ..؟.
* ينتظر المصريون ذلك اليوم الذي يرون فيه المجرمين مقرنين بالأصفاد فى الدنيا قبل الآخرة . كل من قتل مصريا فهو مجرم . كل من نهب المال العام فهو مجرم . كل من اغتصب الأعراض فهو مجرم . كل من تبين له الحق ثم اعرض عنه ابتغاء عرض من الدنيا رخيص فهو مجرم . كل من عذب مصريا واعتدى على حرمته فهو مجرم . كل من سكت عن نصرة مظلوم وهو يستطيع ذلك ثم آثر الصمت فهو مجرم . كل من استغل منصبه لكسب منافع ذاتية له ولأفراد أسرته وتشبع من مال الدولة فهو مجرم . كل من أحب أن تشيع الفاحشة بين المصريين فهو مجرم . كل من اعتدى على عرض أنثى وهتك عرضها فهو مجرم . كل من زور أي انتخابات فى الماضي أو الحاضر أو المستقبل فهو مجرم . كل من بلع لسانه عن قول الحق ولو كان مرا مقابل مكاسب سياسية رخيصة فهو مجرم . كل من عذب معتقلا أو مسجونا لاحباره على الاعتراف كذبا وزورا وبهتانا فهو مجرم .
* ينتظر المصريون ذلك اليوم الذي تحترم فيه إرادته ويقدر فيه صوته الانتخابي فلا يضيع هباء منثورا لسبب أو لآخر . ينتظر المصريون ذلك اليوم الذي يقر فيه قانونا لمحاسبة الفاسدين مهما كانت مناصبهم من باب من أمن العقوبة أساء الأدب . ينتظر المصريون ذلك اليوم الذي لايتمتع فيه أى حاكم منتخب بصلاحيات مطلقة شبه إلهية فلا يرد له قرار ولا تراجع له أى كلمة ولايناقش له أي سياسة . ينتظر المصريون ذلك اليوم الذى يكون لدينا فيه برلمان منتخب من الشعب ولا يحل أو يعطل أو يلغى بجرة قلم رصاص . برلمان قادر على محاسبة الحكومة وسحب الثقة منها إن هى أساءت سلطتها ولم تكن على مستوى المسؤولية وقدر التبعات الملقاة على كاهلها .
* ينتظر المصريون ذلك اليوم الذي يكون فيه المصريون جميعا سواسية كأسنان المشط أمام القانون والدستور . فلا محاباة ولا محسوبية ولا واسطة ولا كارت توصية ولا أبواب خلفية ولا تفرقة عنصرية , فتجد أبناء البطة البيضاء يتمتعون بكل مناصب الدولة ويرتعون فى خيراتها ويتلاعبون بثرواتها . أما أبناء البطة السوداء حتى ولو كانوا متفوقين مميزين , فلامجال لهم , ولاحظ لهم , ولاعمل لهم , ولا كرامة لهم . بل يسيرون فى أوطانهم وكل شئ ضدهم . أو كما يقول الشاعر : ترى الفقير وكل شئ ضده ..... والناس تغلق دونه أبوابها . وتراه بمبغوض وليس بمذنب .. . يرى العداوة ولا يرى أسبابها.... حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة خضعت له وحركت أذنابها ..... وإذا رأت يوما فقيرا عابرا ... نبحت عليه وكشرت أنيابها . هذا هو حالنا اليوم فى مصر فقد انقسم الوطن إلى أسياد وعبيد .
* ينتظر المصريون ذلك اليوم الذي لايكون فيه للسلطة التنفيذية أي وصاية على السلطة القضائية . فيأخذ القاضي وقته فى الاطلاع على أوراق القضية التي أمامه بصرف النظر عن اسم المتهم ومنصبه ومركزه فى الدولة . ينتظر المصريون ذلك اليوم الذي لاتتلون فيه الأحكام القضائية بلون أى سلطة حاكمة . فالسلطة القضائية باقية ثابتة , أما السلطة الحاكمة فهي متغيرة وغير دائمة دوام الحياة . ينتظر المصريون ذلك اليوم الذي لايقف فيه العالم على باب الحاكم يرجو رضاه ويخشى غضبه وعقابه إن هو لم يلوى له عنق النصوص الدينية لتوافق هواه ومراده . ينتظر المصريون ذلك اليوم الذي يكون فيه الإعلام مسموعا أو مقروءا أو مرئيا , سلطة رابعة حقيقية تمارس مراقبتها الصارمة لكل المسؤولين دون انحراف أو انجراف وراء كل سلطة حاكمة .
* ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو : هل ينتظر المصريون ذلك اليوم بالتمني أم بالعمل ..؟ يحضرني فى هذا الصدد قول الكاتب الساخر جلال عارف ساعة قال " الشعوب التي تريد التغير وهو نائمة على السرير فلن تغير إلا البامبر ..! " . وهذا يعنى أنه لابد للأمة أن تتسلح بالوعي السياسي والعلمي والاجتماعي حتى لاتكون مطية يمتطى ظهرها أي سلطة مستبدة وتجر عنقها إلى حيث تريد . إن عالم واحد أخطر على الشيطان من ألف عابد . كذلك المواطن المثقف الواعي المتعلم القادر على حماية ثروات دولته من النهب , وإرادة شعبه من التزوير , ومحاسبة المسؤولين على أخطائهم , هو كنز استراتيجي أغلى من الذهب والفضة وكل آبار البترول . هو مواطن تخشاه كل الأنظمة الحاكمة وتعمل له ألف حساب . الشعب القوى المسلح بالعلم والمعرفة والوعي , المحافظ على هويته ولغته وعقيدته وأرضه , أخطر على أعداء الأمة من القنابل النووية والصواريخ العابرة للقارات لان المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف . الشعوب الغثائية هي التي يجرفها سيل الطغاة المستبدين إلى قاع البحر.