كتبه محمد هرار
ورد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال في ردّه على سؤال رجل من المسلمين "إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". رواية البخاري.
إنّ العلماء ورثة الأنبياء، لذا فقد ائتمنهم الله عباده المؤمنين، وأوجب عليهم النّصح والتوجيه لهم؛ فإذا قدّمت الأمة غيرهم؛ فقد ضيّعت الأمّة الأمانة...
عندما أشارك في اجتماع ما، أو في لقاء من لقاءات الجاليّة المسلمة في الغرب عموما يصيبني الدهشة والإحباط والأسى من أثر ما يصيب كل مسلم غيور على مصلحة الجالية المسلمة، جرّاء المستوى الهابط الذي وصل حالنا إليه في لقاءاتنا التواصلية الحوارية، "حوار الطرشان". حيث لم تسلم حتى دور العبادة كالمساجد مثلا، التي هي بيوت الله في الأرض، والرئة التي يتنفس بها المسلم في بلاد الغرب. حيث أضحى العديد منها مُعرّض لظواهر غاية في السلبية والنفعية. ولعل أبرز ما أثار انتباهي في السنوات الأخيرة، من خلال بعض الاجتماعات العمومية السنويّة أو الطارئة في مجموعة من المساجد، وكذا الجمعيات؛ هو صراع بين من كنا نحسبهم على خير من أهل الحكمة والتعقل والاستبصار وبين من يقود ويسود ويتحكم.
كما أني لا أستسيغ حشر بعض الناس مناخرهم في كل صغيرة وكبيرة، سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الثقافة، أو تعلّق بشؤون الدعوة التي لا يفقهون معانيها، ويجهلون أبجدياتها. فأنا أراهم للأسف يتخطون حدود ما هم مطالبون به في الأصل، من توفير الظروف المناسبة للعلماء والوعاظ ويحاولون فرض آرائهم وشروطهم وتوجهاتهم وقناعاتهم الفكريّة والسياسيّة. وبالتالي فإنّنا نجد البعض ممّن جلب من الخطباء والأئمة في وضع سيّئ، وقد تعرضوا لكل أشكال الحيف والظلم والقهر والتضييق، بل وتعرّضوا حتّى للابتزاز من طرف المسؤولين والقيّمين على شؤونهم، الذين كان كثيرهم في البداية مجرد شخص متطوع في المركز أو المسجد أو الجمعية، فإذا به يتسلق فجأة جدار المسؤولية بطريقة لا يعلمها إلّا الله الله تعالى؛ ليتحول من نكرة مستبد ومتسلط إلى ديكتاتور ينشد بلوغ ما بلغه من قبل أولئك الظلمة الهالكين الذين أطاح بهم الربيع والثورات العربية؛ أمثال الهالكين؛ القذافي وحسني وصالح والأسد الابن وغيرهم!...
لقد أمسينا بهذه التصرفات الرعناء التي تنم عن الجهل المطبق والمركب نغذّي وندعم ما يُصاغ عنا ويذاع، حتى أصبحنا المنهل الخصب لليمين المتطرف يتقوّى بهفواتنا ويوظف مشاكلنا وصراعاتنا بما يخدم سياسيا مصالحه، وبما يحصد له مزيدا من الأصوات والتأييد المباشر وغير المباشر... يحصل ذلك ونحن نحسب أنّنا نفعل خيرا ونخدم الدين، وندعو إلى الله على بصيرة من خلال الوسطية والانفتاح على الآخر المخالف والانسجام التام والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع، وننبذ التطرف ونتصدى له ولجميع التيارات الفكرية الهدامة حسب زعمنا
فمتى يتحرر إذن الخطيب والإمام والدّاعية من قبضة الإدارة والمسؤول المغرور؟. ومتى تمارس في مساجدنا وأماكن تجمعاتنا - ونحن نعيش في بلدان ديمقراطية - أوّل أبجديات الديمقراطيّة المتمثّل في الفصل بين السلط، حتّى يتمكّن الخطباء والأئمة من أداء مهامهم ورسالتهم الدعوية، باستقلاليّة تامّة لا تخضع لتأثير أيّ كان مصدره!...
وأخيرا وليس آخرا؛ نطالب القيمين والإداريين في جميع دور العبادات والمساجد والجمعيات في بلاد الاستقبال الغربي، ونهمس بأدب في آذانهم إن كانوا من أصحاب الآذان الصاغية، أن يتقوا الله في من هم ضمن مسؤوليتهم تسييرا وتدبيرا... فقد ثبت عن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم قوله "أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي طُولُ الْأَمَلِ، وَاتِّبَاعُ الْهَوَى، فَإِنَّ طُولَ الْأَمَلِ يُنْسِي الآخِرَةَ، وَاتِّبَاعُ الْهَوَى يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ". الحديث.
ويقول الحق تعالى في محكم التنزيل: [وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ].