بقلم : مجدي مغيرة
وزير التكية في اجتماعه مع السادة وكلاء وزارة التكية: لقد أعلن السيد الرئيس عن جائزة كبرى للوزارة التي تقدم عملا مبدعا في خدمة الجماهير .
وكيل وزارة : إذن فلنقم نحن بتقديم هذا العمل ، فنحن دائما وزارة مبدعة ، يقودها وزير مبدع ، ويقف خلفه وكلاء وزارة مبدعون ، وينفذ تعليماتهم عمالٌ وموظفون مبدعون .
وزير التكية ضاحكا : وزارة مبدعة !
يقودها وزير مبدع !
ويقف خلفه وكلاء وزارة مبدعون !
وينفذ تعليماتهم عمال وموظفون مبدعون !
يا سيادة وكيل الوزارة ، أنت تعرف البئر وغطاه ،
وإذا كنا نخدع الجماهير المغفلة ببياناتنا المكذوبة ،
ويتغنى إعلاميونا بتلك البيانات المكذوبة ،
إلا أن جمهورا كبيرا من الناس لم ينخدع بها ويعرف أننا نكذب ،
كما يعرف الإعلاميون أننا نكذب ، لكنهم يتجاوبون معنا في كذبنا لأن في ذلك أكلَ عيشهم وضمانَ رفاهيتهم .
كما أن سيادة جناب الزعيم المفدى طبيب الفلاسفة ، وفيلسوف الأطباء المهندس الدكتور الفريق المشير المهيب الركن المحبوب معبود الجماهير ودكر البلاد السيد رئيس الجمهورية الذي يذوب شعبه عشقا فيه يعرف هو أيضا أننا نكذب ،
لكنْ لأنه هو أيضا كذَّاب ، فلا يستطيع أن يستعين بأحدٍ إلا بالمنافقين والكذابين أمثالنا .
نائب وكيل الوزارة : مشكلتك أيها الوزير أنك تتواضع بشكل أكثر من اللازم ،
وإن كان التواضع سمة من سمات العظماء المخضرمين ،
وفضيلة من فضائل العباقرة المبدعين ،
وخَصلة من خِصال القادة المميزين ؛
إلا أن ذلك يعطي المجال للحاقدين والمغرضين أن يزعموا زورا وبهتاناً وافتراءً وادعاءً أنك فشلت في إدارة الوزارة ، ويقوِّي ذلك حجتهم في ضرورة إقالتك ومحاسبتك وتقديمك للعدالة لتحاسبك على سرقاتك واختلاساتك وتزويراتك وتعييناتك للأقارب والمحاسيب ، ولمن دفعوا لك الآلاف والملايين ،
وإذا نجحوا - لا قدر الله - في حملتهم ودعايتهم المغرضة ، فستغلق أنت بهذا التواضع بيوتا وتشرد أسرا وتفتح سجونا لتبتلع عباقرة قلَّ أن يجود الزمان بمثلهم داخل زنازين قاسية ومحابس موحشة ، وستحرم البلاد بذلك من طاقات جبارة ، وقدرات خلاقة شاركت في بنائها ، وأسهمت في رقيها وتقدمها .
وزير التكية وقد أصابته رعشة في جسمه ، ورجفة في صوته : وما العمل إذن يا سيادة وكيل الوزارة ؟
وكيل الوزارة وقد انبسطت أسارير وجهه ، وبدت على وجهه علامات الارتياح : المسألة بسيطة يا سيادة الوزير ،
ولا يحتاج الأمر سوى عدة تكليفات لبعض خدمك ،
وبعض توقيعات لأمين الصندوق ،
وبعض خطابات موجهة لنقابة الممثلين لترسل لنا عددا من الممثلين و الكومبارسات وبعض المخرجين المحترفين ،بالتعاون مع نقابة المهن الموسيقية لترسل لنا فريقا من الآلاتية والمزيكاتية و بعض المطبلين ، وبعض الراقصين والراقصات .
وسنحتاج إلى مقاول أنفار ليحضر لنا فريقا من الباعة الجائلين والعمال العاطلين والنساء المستأجرات للنواح في المناسبات ، وفريق من بلطجية الشوارع والحارات .
وزير التكية : وماذا سنفعل بهذا كله يا سيادة وكيل الوزارة ؟ !
وكيل الوزارة : هؤلاء يا سيدي سيؤدون أدوارا مختلفة :
فمنهم من سيؤدي دور جماهير الشعب بطبقاته المختلفة وقد جاءوا ليشاهدوا إنجازات وزارتك ، وليهتفوا بعبقريتك ،
ومنهم من سيقوم بدور الجماهير التي أتت لتحية سيادة جناب الزعيم المفدى طبيب الفلاسفة ، وفيلسوف الأطباء المهندس الدكتور الفريق المشير المهيب الركن المحبوب معبود الجماهير ، ودكر البلاد السيد رئيس الجمهورية الذي يذوب شعبه عشقا فيه حينما يتفضل بزيارة أحد مواقع العمل في الوزارة ليفتتح مشروعك الجبار الذي سيقضي قضاء مبرما على البطالة ، ويوفر العملة الصعبة للبلاد ، ويجذب السياح من جميع أنحاء العالم،ويجعل الدول تتهافت على استيراد منتجاتنا التي قلَّ نظيرُها وندر مثيلها .
ومنهم من سيؤدي دور العمال والمهندسين ،
ومنهم من سيقوم بدور السياح المنبهرين ،
ومنهم من سيقوم بدور الوفود الزائرين القادمين من البلاد الصديقة للمشاركة في افتتاح مشروعنا العظيم ،
ومنهم من سيظهر أمام شاشات الفضائيات ليحدث جماهير الشعب عن عظمة الإنجاز ، وعبقرية الإبداع ،
فكلُّ من طلبتُ من سيادتك إحضارهم سيكون له دور كبير في إظهار إبداعاتنا .
وزير التكية متعجبا مندهشا : أي مشروع هذا الذي تحدثني عنه ؟ !
وكيل الوزارة : المشروع المبدع يا سيادة الوزير ، المشروع الذي سنقوم بإعداده ، وسنعمل على تنفيذه خلال سنتين أو ثلاثة .
وزير التكية منبهرا : خلال سنتين ثلاثة ؟ ! لن أسمح لك في إعداد وتنفيذ المشروع بأكثر من ستة أشهر .
وكيل الوزارة : تمام يا أفندم ، كلام سيادتك لا يمكن أن ينزل الأرض أبدا ، في خلال ستة أشهر سيكون المشروع جاهزا .
وزير التكية : لكن إلى الآن لا أدري ؟ ! أي مشروع هذا ؟ !
وكيل الوزارة مبتسما : سنقوم يا سيادة الوزير برفع عدة أبنية وهمية تبدو في ظاهرها كأنها مبانٍ حقيقية ،
وسنكتب على كل مبنىً منها اسما وعنوانا ،
فهذا معمل التجارب ،
وذاك قسم الإنتاج ،
وهذا مركز الصيانة ،
وتلك وحدة التجميع والتركيب ،
ومكتب التعاقدات الداخلية والخارجية ،
وقسم الجودة ، و هلم جرا .................
وزير التكية : لكن يا سيادة وكيل الوزارة لو أتانا زوارٌ ، ورأوا تلك المباني سيكتشفون حقيقتها ، وخصوصا سيادة جناب الزعيم المفدى طبيب الفلاسفة ، وفيلسوف الأطباء المهندس الدكتور الفريق المشير المهيب الركن المحبوب معبود الجماهير ، ودكر البلاد السيد رئيس الجمهورية الذي يذوب شعبه عشقا فيه !!!
وكيل الوزارة وهو يضحك ضحكة صفراء : ومَنْ قال لك يا سيادة الوزير أنهم سيزورون الأبنية ؟
ولماذا إذن طلبت من سيادتكم إحضار المزيكاتية والمطبلاتية والآلاتية ؟
سنعد مكانا فخما للاحتفال يجلس فيه السادة الضيوف وعلى رأسهم الزعيم المفدى ،
وسيقوم الفنانون والممثلون والموسيقيون بواجبهم اللازم في هذا الاحتفال الذي يبثه الإعلاميون بثا مباشرا على جميع الفضائيات مصحوبا بتعليقاتهم الرنانة ،
أما المصورون فيبثون صور المعامل والمباني من خارجها ، ويبثون معها فيديوهات من داخل بعض المصانع الموجودة في الخارج لإيهام جمهور المشاهدين أنها مصانعنا الجديدة .
وزير التكية : لكن إلى الآن لم تذكر لي اسم المنتج العبقري الذي سنعلن عنه .
وكيل الوزارة : يا جناب الوزير إن مصانعنا ستنتج الزلابية .
الوزير إليه ينظر مندهشا : زلابية ؟ !
وكيل الوزارة : نعم الزلابية ، وسنعلن ذلك في مؤتمر صحفي تحضره وكالات الأنباء العالمية .
الوزير : كل هذا من أجل الزلابية ؟ !
وكيل الوزارة : ومالها الزلابية ؟
المصريون يحبون الزلابية خصوصا في المناسبات الدينية كشهر رمضان ، وسيعبرون عن فخرهم واعتزازهم بتميز مصر في إنتاجها .
إن جمهور المحتفلين وجمهور المشاهدين للاحتفال على شاشات الفضائيات سيندهشون من رحلتنا مع الزلابية ،
سنحكي لهم في مؤتمرنا كيف أحبطنا مخططات السي آي إيه والكي جي بي والموساد وكل مخابرات العالم التي حاولت الحصول على سر الزلابية المصرية ،
وسنحكي لهم عن المبالغ الطائلة التي عرضوها على حلوني الزلابية ليعطيهم سرها ، وكيف أبت عليه وطنيته وحبه لمصر أن يقبل ولو كل مال الدنيا مقابل إفشاء سرها ،
إننا يا سيادة الوزير نضع مصر على أعتاب الجيل الرابع من التقدم التقني في إنتاج الزلابية ، وأنا أرجو من سيادتك أن تهمس في أذن السيد الرئيس أن يرتدي نظارته الشمسية أثناء الاحتفال حتى لا تبدو دموع فرحته للجماهير ؛ فيشمت فيه الحاقدون ظنا منهم أنها دموع الحزن والانكسار.
وزير التكية : وماذا لو طلب الضيوف أطباقا من إنتاج الزلابية ليأكلوا منها .
وكيل الوزارة : سنكون مستعدين – جنابك - لمثل هذا المفاجآت ، من خلال شراء كميات كافية منها من بعض مصانع إنتاج الحلويات الشرقية .
وزير التكية : فعلا مصر تفتخر بأمثالك يا سيادة وكيل الوزارة .
وكيل الوزارة : تلميذك يا أفندم .....على أيد أمثالك تعلمنا الكثير والكثير .
ضَحِكَا معا ، ثم أمر الوزير بعقد اجتماع عاجل وهام لكل وكلاء الوزارة ومعهم رؤساء الأقسام ليوجه لهم الأوامر والتعليمات والتوجيهات اللازمة استعدادا للبدء في بناء الفنكوش الجديد .