د. فتحي أبو الورد :
تمر بالدول والجماعات أزمات من زمن إلى آخر ، وتقع بهم الفتن والمحن الحقبة تلو الأخرى ، تلك سنة من سنن الله فى الكون ، ثم سرعان ما تنجلى وتنكشف ، والمحن كاشفات ، والفتن ممحصات ، ويظهر لكل فرد بعد ذلك صواب مسلكه ، أو عكس ذلك ، ويعرف تماما هل أكل من الدنيا أم أكلت منه ؟ وهل عاش فيها أم عاشت فيه ؟ وهل كان مع الله أم كان مع هواه ؟ .
وعندما تلتبس عليك الأمور ، وتختلط لديك المتداخلات ، وتغيب عنك المعلومات ، يتوجب عليك ما يلى :
- لا تسارع فى إلقاء التهم ، ولا تعجل فى اتباع من استلطفت قوله ، واستحسنت منطقه ، ولا تمل إلى جانب إلا على هدى ، وليكن سيفك فى وقت الفتن والالتباس من خشب ، وألزم لسانك الصمت إلا من دعاء بالهدى ، وتذكير بالتقى .
- اترك الوقائع يحكم عليها شهودها ، فلا تشهد على ما لم تشاهده ، ولذلك لا تقبل شهادة أحد فى واقعة أمام القضاء إلا إذا كان شهدها ، فلماذا ترى عينيك ما لم تر ، وتسمع أذنيك مالم تسمع ، وتناصر وتشايع على غير بينة أو هدى ؟ تلكم وقائع واختلافات لم تحضرها ، فلماذا تشهد عليها ؟.
- اعزم على كل من له عقل ودين ، أن يكف لسانه إلا من خير ، وأن يمسك عن الاسترسال فيما لا علم له به إلا أن يقول : الله أعلم .
قال عقبة بن عامر قلت يا رسول الله : ما النجاة ؟ قال : أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك .
وليعلم من يريد أن يعلم أن فصاحة لا تغذيها الحكمة ضررها أكثر من نفعها.
وليتذكر من يريد أن يتذكر مارواه ابن مسعود حين كان على الصفا يلبي ويقول : يا لسان قُلْ خيرا تغنم ، وَاسكت عن شر تسلم ، من قبل أن تندم . فقيل له : يا أبا عبد الرحمن أهذا شيء تقوله ، أو شيء سمعته ؟ فقال : لا بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه .
- ابحث عن الحق ، وتجرد لطلبه ، ثم قف الموقف الذى ينجيك بين يدى ربك ، وقد قال رجل لعلي بن أبى طالب: أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير على الخطأ وأنت على الصواب؟ فقال: إنه ملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله. وقال رجل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: إن ابن المبارك قال كذا، فقال: إن ابن المبارك لم ينزل من السماء.
- احذر أن تتبع الهوى ، وسارع بالأوبة إن كنت كذلك ، فإن الشجاعة أن تعود من الخطأ إلى الصواب ، فإن الهوى قتال ، وأول ذلك أنه يجعل صاحبه غير عادل " فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا " وثانى ذلك أنه يضل عن سبيل الله : " وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه " ص 26 .
- ليكن ارتباطك بالمبادئ لا بالأشخاص ، واعلم أن دين الله غالب ، وأن دعوة الله منصورة ، وأن دوام الحال من المحال ، وقد مضى رسولنا الكريم إلى جوار ربه ، والإسلام داخل الجزيرة العربية لم يخرج منها ، ولم تتوقف دعوة الله من بعده ، والرسالة التى أرسى دعائمها الصادق الأمين ، فامتدت الدعوة من بعده شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ، وتعاقبت الفتوحات : "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ " آل عمران 144 .
- تدبر فى عاقبة كلامك ، ومآلات حديثك ، ولا تشع أخبارا من شأنها أن تضعف عزائم المسلمين ، وتنال من وحدتهم ، حتى وإن كنت على قناعة بها .
- كن عامل بناء فى أمتك لا أداة هدم ، وناشد الحكماء والوجهاء أن يتدخلوا من أجل وحدة الأمة ، وادع المتنازعين أن يلينوا لإخوانهم ، وما كان من حق للفرد على المستوى الشخصى فله أن يتنازل عنه لله ، ومن أجل الصالح العام ، ومن أجل الوحدة ، ولأن نجتمع على كثير من الحق خير من أن نفترق على الحق كله ، وما واقعة تنازل الحسن بن على عن الخلافة من أجل وحدة المسلمين منا ببعيد ، وحدث يومها الوفاق ، والتأم الشمل ، وسمى ذلك العام عام الجماعة.
- اعلم أن التاريخ حدثنا أن الصحابة الكرام اختلفوا فيما بينهم إلى حد الاقتتال ، لأنهم بشر ليسوا معصومين ، فلا يروعنك بعد ذلك ما قد يقع ، ومع ذلك لم ينف القرآن عنهم صفة الإيمان ، وأمر بالصلح بينهما " فأصلحوا بينهما " الحجرات 9 .
- ذكر المتنازعين بقوله تعالى "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " الأنفال 46 ، وطالبهم بالفرار من سوء الأحدوثة التي فر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي ، حين قال : " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ".