خميس النقيب 
 
تتسارع الايام وتمر الاعوام ،تنقضي الازمان و تتوالي الليالي ، والليالي من الزمان حبالي مثقلات يلدن كل عجيب !!
وهكذا تزف مواسم الخيرات للمؤمن كَما تُزفّ العروس ، وتُهدَى إليه كأعظم هدية ، ويُبشَّر بها كما يُبشّر بِقدوم مولود بعد طول انتظار ، أو قُدُوم عزيز غائب طال غيابه،  هكذا تنقضي ايام شهر رمضان المعظم مسرعة ...!! 
إن رمضانَ أيامٌ معدوداتٌ، وفرصٌ سانحاتٌ ومواسم الطاعات ومجمع الرحمات واسواق النفحات ، وإن اغتنام هذه الأيام لدليلُ الحزم، وإنَّ انتهاز تلك الفرص لعنوانُ العقل؛ ذلكم أن الوقت رأسُ مالِ الإنسان، وساعات العمرِ هي أنفسُ ما عني الإنسان بحفظه؛ فكل ساعة من ساعاتِ عُمُرِكَ قابلةٌ لأن تضعَ فيها حجراً يزداد به صرحُ مجدِك ارتفاعاً، ويقطع بها قومك في السعادة باعاً أو ذراعاً.
لذلك كان الصحابة الكرام  رضوان الله عليه ..    إذا أقبلت مواسم الخيرات جَدّوا ..   ..  وإذا أظلّتهم سحائب المغفرة استمطروها ..  .وإن طرقتهم نَفَحات ربِّهم تعرّضوا لها ..   ..  وإن هَبّت بهم لَفَحات الهاجرة استعذبوا العذاب في ذات الله ..
في موسم الحج قتل تعالي : " واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون "  البقرة 
  قوله تعالى ( واذكروا الله ) يعني التكبيرات أدبار الصلاة وعند الجمرات يكبر مع كل حصاة وغيرها من الأوقات ( في أيام معدودات ) الأيام المعدودات هي أيام التشريق وهي أيام منى ورمي
الجمار سميت معدودات لقلتهن كقوله : " دراهم معدودة " ( 20 - يوسف 
وفي موسم الصوم  يقول تعالي  :   أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ    "  البقرة     :وكلمة "أياما" تدل على الزمن وتأتي مجملة، وقوله الحق عن تلك الأيام: إنها "معدودات" يعني أنها أيام قليلة ومعروفة
و في هذه  الايام  المعدودات المسرعات  خاصة في مواسم الطاعة،  في مواسم الخير،  سواء في الصوم او الحج اوغيرها  ،   ينظر المرء ما قدمت يداه، ويحاسب نفسه قبل ان يلقي الله، يقلب صفحات العام الماضي ليكتب في صفحات العام الجديد، فان وجد خيرا  فليحمد الله  ، وان لم يجد فلا يلومن الا نفسه، " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقل ذرة شرا يره " الزلزلة يجب علي المسلم ان ينظف صفحاته ويطهر سجلاته وينقي عباراته ويغض نظراته ويرشد خطواته قبل ان يلقي حتفه ويقابل ربه فيعرض عليه اعماله " يومئذ تعرضون لا تخفي منكم خافية " الحاقة 
اياما معدودات ..يجِد فيها  المؤمن على الخير أعوانا ..
اياما معدودات  يضعف فيها سُلطان الشهوات .. ويقوى فيها  سُلطان العقل ..
 فلما اجتمعت كل هذه الخصال في شهر الخير .. كان المحروم من حُرِم خير هذا الشهر ..
 .. قال - صلى الله عليه وسلم -: نِعمتان مَغبون فيهما كثير من الناس: الصحَّة، والفراغ ، وأشد ساعات الندم حين يُقابِل المرء بصحيفة عمله، فيَرى فيها الخزْيَ والعار؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 23 - 24]، وقال تعالى: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56
 ويقول الحسن البصري - رضي الله عنه -: "يا بن آدم، نهارُك ضيفُك؛ فأحسن إليه؛ فإنك إن أحسنتَ إليه ارتحَل بحمدِك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك،    أنت بين يوم مشهود، ويوم موعود؛ فقدِّم لليومينِ، واعمل للدارين؛ اعمل لغَدِك كما تعمل ليومِك، واعمل لمعادِك كما تعمل لمعاشِك، واعمَل لآخرتك كما تعمل لدنياك . لا تتكاسل ولا تتخاذل فتحرم الخير في مواسم الخير ..!! 
قال الشاعر  التكاسل في الخيرات تَطلبها 
                              فليس يَسعد بالخيرات كسلان
لا ظِلّ للمرء يَعْرى مِن تُقى ونُهى  
                        وأن أظلّته أوراق وأغصان
اياما معدودات فيها افضل العبادات وأَجَلِّ الطاعات, جاءت بفضله الآثار, ونقلت فيه بين الناس الأخبار  ،  أنه عبادة عظيمة لا غنى للخلق عن التعبد بها لله وعما يترتب عليها من ثواب ما فرضه الله على جميع الأمم.
 اياما معدودات فيها اسباب  لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات, فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»1. يعني إيماناً بالله ورضاً بفرضيَّة الصوم عليه, واحتساباً لثوابه وأجره, ولم يكن كارهاً لفرضه ولا شاكًّاً في ثوابه وأجره, فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه.
اياما معدودات  من صامها إيماناً بالله واحتساباً لثواب الله غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامها إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه, تفتح فيها أبواب الجنة، وتغلق فيها أبواب النيران، وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: "إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي", للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه»
يفرح عند فطره بأمرين: باستكمال صوم اليوم الذي من الله عليه بصيامه وقواه عليه، وبتناول ما أحل الله له من طعام وشراب، ويفرح عند لقاء ربه بما يجده عند ربه مدخراً له من أجر الصيام.
اياما معدودات فاعمروا أوقاتها بالذكر والقراءة والصلاة، وتعرضوا فيها لنفحات المولى بكثرة الدعوات، وكثرة الإحسان إلى الخلق والعفو عنهم، فإن الله يحب المحسنين، ويحب العفو عن المسيئين، وجودوا على الفقراء في هذا الشهر بالزكاة والصدقات، فإن الله جواد يحب الجود، ولقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة، ولا تحقرنَّ من المعروف شيئاً، واتقوا النار ولو بشق تمرة ، فإن الرجل ليتصدق بعدل تمرة من كسب طيب، فيربيها الله له حتى تكون مثل الجبل.
اياما معدودات تشهد للطائع بطاعته وللعادل بعدله وللصائم بصومه،  وتشهد كذلك علي العاصي بمعصيته والظالم بظلمه والمفطر بفطره ..!!
فسَارِع إلى الخيرات في موسم الخيرات واحسن استقبال الرحمات في شهر النفحات  .. وحَذَارِ أن تكون مَحروما ..
 فقد صَعَد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال : آمين ، آمين ، آمين . قيل : يا رسول الله إنك صعدت المنبر فقلت : آمين ، آمين ، آمين . فقال : إن جبريل عليه السلام أتاني فقال لي : مَن أدرك شهر رمضان فلم يُغْفَر له ، فدخل النار ، فأبعده الله ، قُل آمين ، فقلت : آمين . ومَن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يَبرّهما فمات ، فدخل النار ، فأبعده الله ، قل آمين ، فقلت : آمين . ومَن ذُكِرْتَ عنده فلم يُصَلّ عليك فمات ، فدخل النار ، فأبعده الله ، قل آمين ، فقلت : آمين . رواه ابن خزيمة والحاكم وصححه ، ورواه ابن حبان .
ولئن كان حفظُ الوقتِ مطلوباً في كل حين وآن، فلهو أولى وأحرى بالحفظ في الأزمنة المباركة, ولئن كان التفريطُ فيه وإضاعتُه قبحاً في كل زمان، فإن قبح ذلك يشتد في المواسم الفاضلة,ومن الناس مَنْ قَلَّ نصيبه من التوفيق، فلا تراه يلقي بالاً لحكمة الصوم ولا لفضل الشهر، فتراه يجعل من رمضان فرصةً للسهر واللهو الممتد إلى بزوغ الفجر، والنومِ العميق في النهار حتى  غروب الشمس, ولا يخفى على عاقل لبيب ما لهذا الصنيع من أضرار على دين الإنسان ودنياه، فهو قلب للفطرة، فالله -عز وجل- جعل الليل لباساً، والنهار معاشاً، كما أنه إضاعة للوقت، وتعطيل للمصالح, ومن كان هذا صنيعَه فلن يرجى منه خيرٌ في الغالب لا لنفسه ولا لغيره.
اللهم اعنا علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ... الله ارحمنا واغفر لنا واعتق رقابنا ... اللهم تقبل صيامنا وصلاتنا وصدقاتنا ..اللهم بلغنا ليلة القدر وتسلم منا رمضان مقبولا بكرمك ياكريم  ...