عزت النمر :
 
لا أحد يختلف على مصر التاريخ والجغرافية والثقل والتأثير, رغم الواقع الأسيف الذي تصاغرت فيه مصر وأصبح يتلاعب بها صبيانها القدامى وبعض من كانوا تلاميذها حتى وقت قريب .
 
حقيقة لابد أن نذَّكر بها أن تصاغر مصر بدأ منذ وقت بعيد , لكنه بلغ في لحظتها الراهنة حداً غير مسبوق , ما يوحي بأننا على مفترق طرق إما أن تزول مصر وتنهار , وإما أنها ـــ كما نرجو ونتوقع ــ في المنعطف الاخير عودةً لقوتها وريادتها وقيادتها لأمتها والأصدقاء .
 
المهتمون بالشأن المصري والعارفون لقدْرِ مصر وقَدَرها خاصة من الأعداء ــ وهم من غير شك أذكياء وأقوياء ــ لن يتركوا المشهد المصري في هذه اللحظة التاريخية دون أن يروِّدوه حتى لا يفاجئهم بما لا يريدوه ولا هم يستطيعوه.
 
المشهد المصري الحالي يوحي بما لا يدع مجالاً للشك بسقوط الانقلاب عاجلاً أو بعد حين , الأسباب في ذلك أكثر من أن تُحصى أوتُعد.
 
غباء العسكر أورث مصر انهياراً شمل كل مناحي الحياة , فلا سياسة يُعوّل عليها , ولا مؤسسات يقوم معها نظام , ولا خدمات تُحفظ بها حاضنة شعبية , ولا حتى أمن يوحي بهيبة للدولة , فضلاً عن انهيار اقتصادي ينذر بانتفاضة خبز أو ثورة جياع.
 
القوى الدولية والإقليمية تعرف الداخل المصري ومفرداته أكثر من كثير من المصريين , لذا فهي تسعى لكي تدير ملف السقوط الوشيك للإنقلاب وتحتاط له , لأنها على ثقة من أن نجاح الثورة الحالية في مصر سيطيح بكل أصدقاء الغرب وعملائه وصبيانه ومنتفعوه , وأنهم سيجدون أنفسهم في مواجهة فاصلة مع مصر جديدة تملك رؤيتها وتتحصن بهويتها وتستقل بقرارها لتنطلق في طريق العزة والتحدي ,وهذا ما لا يريدوه.
 
ثمة مارثون طويل أنهك إلى حد كبير القوى المؤثرة في المشهد المصري وصراعه الحالي . ولعل هذا الإنهاك كان مقصوداً ومطلوباً لتغييب مصر واستهلاك طاقتها مع قليل من الدعم للآلة العسكرية تستبقي فيه قوة تكفي لإستبداد مستقر يعود بأرض الكنانة الى عصر ما قبل ثورة يناير.
 
بعد سنتين من الانقلاب الدموي على أول تجربة ديمقراطية ناهضة في مصر أكتشفت أمريكا والغرب واسرائيل واتحاد ملاك الانقلاب ورعاته الخليجيون عدة حقائق لا يمكن تجاهلها في الواقع المصري.
 
أولى هذه الحقائق أن انهاك العسكر وحلف الانقلاب يزيد بمراحل عن انهاك خصمه العنيد حتى وصلوا الى ترقب سقوط متوقع للانقلاب .
 
ثانيها أن سفينة الانقلاب المثقوبة لم يعد يجدي معها أي محاولة تعويم لا بدعم أو تمويل أو حتى تلميع .
 
ثالثاً أنه لم يعد كثير وقت لمحاولة تطويق الثورة قبل أن تفاجئ أصحابها قبل أعدائها ويسقط الانقلاب .
 
رابعاُ وهو الأهم أن الحل السياسي أصبح الطريق الأمثل ولا طريق غيره لتطويق الثورة , خاصة وأن فرصته باتت مواتية مع انهاك الجميع .
 
من البدهيات التي لا يختلف عليها اثنان أن تغييب عبد الفتاح السيسي وإبعاده عن المشهد هو أول خطوات الحل السياسي , فلا أحد يقبل بأي حل سياسي في وجود شخص السيسي كورقة محروقة أدت كل ما عليها وانتهت ولابد من القائها وتنظيف المشهد منها والتطلع لما بعدها .
 
لا أعتقد أن هواجس تغييب السيسي غابت عنه لحظة في يقظته ولا في منامه منذ انقلابه المشين , ولا أعتقد كذلك أن هكذا طرح غاب أو يغيب عن  عجوز الانقلاب هيكل كبيرهم الذي علمهم السحر.
 
مؤكد ان السيسي لن يقبل التغييب الإرادي بإقناعه بالإنسحاب من المشهد, وهو في ذات الوقت يهيمن عليه رعب التغييب القسري غداً أو بعد حين . ولعل هذا ما يفسر الحراسة المفرطة التي تحوطه في كل موقع فضلاً عن أنه يفسر كذلك التغييرات المتتالية والإطاحات المتقاربة بقادة ورموز في الجيش والمجلس العسكري.
 
ما يقال على عبد الفتاح السيسي يقال بدرجة ما على شريكه في الانقلاب وصديقه اللدود صبحي صدقي , خاصة إذا لم يسعى صدقى لغسل يده من أوضار الانقلاب الدامي بالمشاركة في مسار تغييب السيسي وتحميله كل جنايات ماضيهما القريب.
 
أعتقد أن تغيير ما وشيك يراد له أن يطال المشهد المصري .. هذا ما يريدوه ..  هل يبلغوه ؟! .. لا أعتقد ..
 
قد تحدث أحداث اقليمية أو داخلية تجعل للشعب الصامت إرادة وتوجيه .. ننتظر ونتمنى ..
 
وقبل هذا وبعده .. تظل أقدار الله غالبه .. لعلها تحمل خير من هذا وذاك ..   
 
ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً ..!!
 
https://www.facebook.com/ezzat.elnemr.9