هشام المنصور
 
بدا منتشياً ومهدداً ومتوعداً عندما ذكر الشعب بتواريخ لم ينساها الشعب بعد، ولن تمحى من ذاكرته كما ستظل بقعة سوداء كبيرة في تاريخ العسكرية المصرية تتوارث خزيها الأجيال على مر السنيين، لم يتذكر قائد الانقلاب وهو يجلس بين داعميه على وجبة إفطار فيما سمي بإفطار الأسرة المصرية إلا أربعة أيام القاسم المشترك بينهم هو جريمة القتل العمد لشعب مصر الأعزل، وكل يوم منهم كفيل بأن يقدم قادة العسكر للمشانق في جرائم ضد الانسانية يعاقب عليها القانون الدولي، كانت التواريخ التي تلاها بقوله (افتكرو 3-7، 8-7، 24-7، 26-7، 8-8، 14-8 وافتكروا ولغاية دلوقتي)، لم يتألم عندما نطق بها ولم يتلعثم فيها كما تعودنا منه في كل أحاديثه بل كان يتحدث وكأنه يذكرهم ببطولات الجيش المصري في دحر العدو.
 
وقد أحسن فعلاً بأن بدأ بتاريخ انقلابه على الرئيس مرسي، وتلاه بمجزرة الحرس الجمهوري في 8 يوليو 2013 أو كما يطلق عليها البعض مجزرة الساجدين الذين قتلوا وهم في صلاة الفجر في الركعة الثانية، لم يمهلهم القائد الهمام لأن يكملوا صلاتهم بل أجهز عليهم، وانتشى وهو يقتل الأطفال والنساء والعزل، ولم يقدم تبريراً لقتل اكثر من مائة شخص وجرح ما يزيد عن أربعمائة إلا أنهم تجرأو ووقفوا سلميين أمام نادي للحرس الجمهوري مطالبين بعودة رئيسهم الذي انتخبه الشعب، ومرت الجريمة بمباركة أمريكية والتي أصدرت بيان يدعو لضبط النفس، ولم يقدم أحد للمحاكمة ولم يتحرك النائب العام من باب ذر الرماد في العيون بفتح تحقيق ولو صوري، وكأن القتلى ليسوا بشر وليسوا مصريين، فهل تذكرتم هذا اليوم أيها المصريون المدعوون على مأدبة القاتل، وهل تذكرها الشعب؟ وهل تذكرها العالم الذي يثور من أجل حقوق الحيوان؟ ويصمت أمام جرائم الإنسان؟ هل يتذكر أصحاب أموال البترول هذا اليوم أم انه تلاشى من ذاكرتهم؟ لا تقلقوا فالسيسي يذكركم بأنكم شركاء في هذه الدماء وهو لا ينسى فضلكم.
 
أما 24 و 26 يوليو فقد كانت تمثيلية التفويض لوزير الدفاع بارتكاب المزيد من القتل والدماء، كانت مذبحة جديدة وجريمة أخرى في 8 أغسطس 2013 إنها جريمة القتل الجماعي للشباب قبل الفجر بساعات عند المنصة، عندها قرر قائد الانقلاب أن يعيد جريمة الحرس لتصل الرسالة واضحة بأن الإبادة هي النتيجة المنتظرة والمتوقعة لكل من يجرؤ بالمطالبة بحقه وحريته، وكانت الحصيلة  مقتل 74 شخصاً وكما حدث في المذبحة الأولى لم يتحرك النائب العام ولم يقدم أحد للمحاكمة، لأن هذا ببساطة كان الوعد الذي قطعه السيسي على نفسه بأنه لن يقدم ضابط للمحاكمة عن قتل أي شخص.
 
أما التاريخ التالي الذي يذكر به السيسي مهدداً فهو يوم مجزرة رابعة والنهضة فلن تستطيع البشرية الحرة ولا تاريخ العالم الحديث أن ينساه، إنه اليوم الذي شاهد العالم على شاشات الفضائيات عملية إبادة جماعية تمت لأكثر من إحدى عشر ساعة متواصلة استخدمت فيها الطائرات والمجنزرات وقنابل الغاز والرصاص الحي، فالقوات المسلحة المصرية الباسلة مدعومة بمليارات الإمارات والسعودية وبدعم صامت من أمريكا والغرب بقتل الأطفال والنساء والشباب بدم بارد ومنع سيارات الإسعاف من إسعاف الجرحة لتنتهي الجريمة بحرق الجثث والإجهاز على الجرحى بقتلهم بالرصاص الحي أو حرقهم أحياء، لقد أحصت منظمات حقوق الإنسان أكثر من ألف قتيل في حين أن هناك قتلى بالمئات تم حرقهم كما أسلفنا وضاعت معالم القضية ولكن القضية لم تضيع، ذلك اليوم الذي لا يستطيع شخص لديه جزء يسير من الانسانية أن يتذكره دون أن يتألم، أما القاتل فله أن يذكرنا ويذكر العالم به.
 
لم يكن اختيار السيسي لهذه التواريخ من قبيل الصدفة أو الخروج على النص الموضوع سلفاً، لأننا تعودنا أن خروجه عن النص يسبب فضائح يتناقلها الإعلام لتكون مادة غزيرة للسخرية، ولكنه قصد توجيه رسالة واضحة وهو يرى كرسيه يهتز منذ أن اغتصبه، فلم يثبت يوماً ولكن زيادة الاهتزاز أفقدته توازنه فيهدد بمذابح جديدة يقتل فيها الآلاف، ما دام الاعتقال والخطف وأحكام الإعدام لم يزيد الثورة إلا اشتعالاً فليعود إلا المذابح علها تكون سبباً في صمت شعباً عصياً على العبودية، ولم يدرك أنه يعترف بسبق الإصرار والترصد في تلك الجرائم، وإذا كانت تلك المجازر العديدة لم ترهب الشعب فمن المؤكد أن أتباع نفس الأساليب سيفضي لنفس النتيجة.
 
ولكن قائد الانقلاب وهو في يذكر ويهدد بكلمة (وافتكروا) لتلك المذابح نسي أياماً أخرى سالت فيها دماء ذكية تتلوث فيها أيدي قادة المجلس العسكري بصورة مباشرة، إنها دماء الجنود التي سالت في سيناء والوادي الجديد في فضائح أخرى للعسكرية المصرية حين تفشل في مواجهة عصابات تهريب، وحين تفشل في حماية جنودها ليموتوا بالعشرات في كل مرة دون أن يتم محاسبة القادة المسئولين عن رفع جاهزية الجيش والاكتفاء بشعارات كاذبة حول السيطرة والاستقرار، ولقد أنشغل العسكر بالمشروعات الاقتصادية والأمور السياسية ليدفع الجنود الثمن في صمت وبلا حداد، ويترقى القادة إلى اعلى المناصب، فهل يتذكر السيسي تلك التواريخ؟، وهل يتذكر أيضاً تاريخ تدشين أعظم اختراع في تاريخ القوات المسلحة المصرية، ربما لا يتذكره ولكن اللواء عبدالعاطي صاحب فضيحة علاج المرضى بالكفتة يتذكره جيداً عندما وقف أمام قائد الانقلاب وعدلي منصور للإعلان عن أكبر كشف علمي في تاريخ العسكرية المصرية، هل يتذكر كيف أصبحت مصر أضحوكة للعالم؟ وهل يتذكر أنه حتى الأن لا يستطيع أن يفتح الميادين؟ وهل ينظر من نافذة طائرته ليرى الدبابات تترك مكانها على الحدود لتحمي ميدان التحرير من الشعب العدو؟.
 
إن التلويح بمجازر جديدة واللجوء للتصفية الجسدية والقتل دون محاكمة وإصدار المزيد من القوانين المكبلة للشعب هوتأكيد على أن الانقلابيين قد أصابهم اليأس من تركيع الثوار أوتطويع الشعب وارغامه على عبودية الديكتاتور الذي يملك القتل بالرصاص وبالقضاء أيضاً، كما أنهم فقدوا عقولهم وفشلوا في إدعاءات الأمن والأمان والرخاء. كما أنه يظهر أنهم يصارعون الزمن للبقاء في ظل الفشل والخراب الذي يحيط بهم من كل مكان، كما إنه يعبر عن نيته لتدبير مجازر جديدة، إلا أنه يؤكد في ذات الوقت على نجاح الثورة ولعلها تكون المرحلة الأخيرة من عمر الانقلاب، وها قد وصلت رسالة السيسي فهل نجد رداً قريباً من القوى الثورية عليها؟.
 
إن من قرر الاستمرار على الطريق والمقاومة بعدما رأى مجزرة رابعة والنهضة وأخواتها لن يتراجع أمام أي جرائم تالية، والنصر صبر ساعة وإن كنا نشعر بالألم والحزن على فقد أشرف من في هذا الوطن فإننا نوقن أن العسكر لا ينامون الليل وهم ينتظرون مصيرهم المخزي والمحتوم، وما على الثوار إلا تطوير أساليب المقاومة والثبات على الحق المبين.