مجدي مغيرة
أذكر القارئ مرة أخرى بالثلاثي الذي وظفه الغرب لحرب الإسلام وإخضاع المسلمين ، وهذا الثلاثي هو :
الحكام – النخبة – زرع إسرائيل في المنطقة .
وحديثنا اليوم عن خضوع الحكام لإرادة الغرب.
كان أول من وصل لحكم البلاد وحقق مصالح الغرب أكثر مما حقق مصالح بلاده هو محمد علي باشا ، وبحكمه بدأت حقبة سوداء في تاريخ بلادنا ، حيث تولى أمورنا أمراء نعرف منهم وننكر ، هم منا ، دينهم ديننا ، أسماؤهم أسماؤنا ، لكنهم أخذوا على عاتقهم قيادة شعوبهم نحو خدمة مصالح الغرب مقابل حفاظ الغرب على عروشهم وكراسيهم .
ولك أن تتعجب وأنت تقرأ في مذكرات أحمد شفيق باشا المنشورة بعنوان : مذكراتي في نصف قرن ، والتي نشرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب في سلسلة تاريخ المصريين ، حيث عند وفاة الخديوي إسماعيل ، ومن بعده الخديوي توفيق ، ذكر اجتماع المحفل الماسوني الخاص بمنطقتنا ليؤبنهما ، حيث كان كلاهما عضو في تلك المحافل ، بل وفي موضع آخر ذكر كلاما هاما عن أعضاء الماسونية في بلادنا ، حيث قال أنه من المعروف أن أحدا لا يترقى للمناصب العليا في البلاد إلا إذا كان عضوا في الماسونية ، سواء كانت مناصب مدنية أو عسكرية .
وهنا يتضح لك إجابة كثير من الإشكاليات التي ترد على ذهنك وأنت تقرأ تاريخ البلاد ، منها مثلا :
· كيف بقيت بلادنا متخلفة في كل المجالات العلمية والإنسانية والتشريعية ..إلخ ، في حين تقدمت بلاد كثيرة بعد أن كانت شديدة الفقر ؟!
· وكيف أن الكثير من بلادنا يعاني الفقر رغم كثرة خيرات البلاد ، ورغم وفرة العقول البشرية ، في حين تقدمت بلاد أخرى تقدما كبيرا رغم ندرة مواردها كاليابان ؟
باختصار لأن هؤلاء عملوا على أن تأخذ بلادنا من الحضارة قشورها ، ومن البحث العلمي مظهره دون حقيقته ، ومن الدراسات الإنسانية الآراء الشاذة وترك البحوث الجادة التي كان يمكننا اتخاذها مقدمة لبناء دراسات إنسانية خاصة بشعوبنا .
وأخطر ما قدمه الحكام من خدمة للغرب هي أنهم كانوا أداة لمنع شعوبهم من التحرر من قيود المحتلين ، فكلما ظهر من يدعو إلى تحرير الأمة قام هؤلاء الحكام بمنعه من الاستمرار في مشروعه ، وإن لم يمتنع شوهوا صورته أمام الشعوب ، ولفقوا له القضايا التي يتم بموجبها سجنه أو إعدامه ، وقد يدسون له السم في الطعام ، أو يموت في حادثة سيارة ، فهم لا يعدمون وسيلة للتخلص ممن يرونه خطرا على عروشهم المحمية ببنادق الغرب .
ومن أجَلِّ الخدمات التي قدمها هؤلاء للإنجليز والأمريكان ولأمريكا وروسيا ، هو محاربتهم لكل من مثل خطرا على مصالح الغرب تحت دعاوى كثيرة .
فقد رأينا كيف حارب الجيش المصري ضد الثورة المهدية في السودان ، والذي جنى ثمرة القضاء على تلك الثورة هم الإنجليز .
ولما دخل الجنرال اللنبي فلسطين تمهيدا لتسليمها لليهود بناء على وعد إنجلترا لهم بإقامة دولتهم فيها ، دخلها ومعه قطاع كبير من الجيش المصري يقدم له الخدمات المختلفة كالإمداد بالطعام والشراب ، والخيول والجمال ... إلخ .
وكلنا قرأ التاريخ المأسوي لحادثة دنشواي التي تم إعدام الفلاحين فيها ظلما بهدف قذف الرعب في قلوب المصريين ، وكان قضاة المحكمة التي حكمت بتلك الإعدامات الظالمة هم من القضاة المصريين الذين تلقوا تعليمهم في الغرب .
وقد حارب الحكام بعضهم بعضا تحت دعاوى زائفة { قومية – وطنية }، وكانت تلك الحروب تصب في صالح إسرائيل والغرب ، وتستنزف كثيرا من ثروات العرب البشرية والمادية ، والأمثلة كثيرة من مطلع القرن العشرين وحتى يومنا هذا ، منها على سبيل المثال لا الحصر حرب الهاشميين ضد الدولة العثمانية أثناء انشغال الدولة العثمانية بما يسمى الحرب العالمية الأولى ، و الحرب العراقية الإيرانية التي ظهرت فيها كثير من الفضائح حيث ثبت أن أمريكا وإسرائيل كانتا تمد الطرفين بمختلف الأسلحة كي يبيد بعضهما البعض ، وأخيرا احتلال صدام حسين للكويت ، بعد أن أوحت له السفيرة الأمريكية بذلك ، ثم انقضوا عليه ودمروه كما هو معلوم لدينا جميعا .
وقد كان للغرب دور كبير في إنشاء النظم العسكرية في بلادنا { تركيا – سوريا – مصر – العراق – ليبيا ...إلخ } ، حيث حققت تلك النظم العسكرية للغرب ما عجز الحكام الآخرون عن تحقيقه ، ومهد هؤلاء الأرض كي ينفذ الغرب الخطوة الثالثة لبقاء أمتنا أمة ضعيفة ، ألا وهو التمكين لليهود في فلسطين ، وتلك قصة أخرى سيكون لنا معها جولة قادمة إن شاء الله .