المستشار عماد أبوهاشم 

وفقًا لأصول ومسلمات التحقيق الجنائىِّ التى احترفتها كوكيلٍ ورئيسٍ للنيابة العامة و فى ضوء ما تعلمته فى مادة الأمن الحربىِّ أثناء خدمتى بالجيش كضابط احتياطٍ بجهاز الاستطلاع التابع لإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع فإنه - وبثقةٍ كبيرةٍ جدًّا - يمكننى أن أقول : إن استهداف موكب النائب العام بعبوةٍ ناسفةٍ لا يتسنى إلا لأجهزةٍ احترافيةٍ عالية التدريب كأجهزة الاستخبارات مثلًا ؛ ذلك أن إدارة السيناريو الذى تم به الحادث يتطلب معلوماتٍ غايةً فى الدقة عن نقطةٍ فى خط سير الهدف يتأكد - بالدليل القاطع - مروره بها فى الزمان والمكان المحددين للتنفيذ ، وهذا لا يتأتى إلا بمراقبته مدةً طويلةً لرصد تحركاته أو عن طريق معلوماتٍ يتم الحصول عليها من الدوائر القريبة منه و التى تكون على علمٍ مسبقٍ بتلك التحركات .

ومن المعروف بالضرورة أنه وفقًا للمبادئ الأمنية المستقرة فى تأمين الأشخاص فإنه يتعين تغيير محل إقامة المعهود بحراسته وخط السير اليومى له وتوقيت تحركه ذهابًا وإيابًا من فترةٍ إلى أخرى للحيلولة دون رصد نقطةٍ يمكن استهدافه منها ، كما يتعين - أيضًا - تغيير طاقم الحراسةِ  المكلف بتأمينه بشكلٍ دورىٍ للحيلولة دون رصد أفراده وتجنيدهم للحصول منهم على معلوماتٍ تفيد فى ذلك الصدد ، فضلًا عن أن الكشوف الدورية لفرق الحراسة التى تتعاقب على حراسته تكون سريةً للغاية ولا يعلم بها أفراد الحراسة أنفسهم إلا وقت تسلم المأمورية بالفعل ، وهناك الكثير من الاحتياطات الأمنية والإجراءات الاحترازية التى لا يتسع المقام لذكرها بالتفصيل ولكننى أكتفى بأهمها وأكثرها ارتباطًا بالحادث ، لكن ما أقوله لكم : إن اغتيالًا كهذا لا يمكن أن يتم إلا من داخل المنوط بهم حراسة الهدف أو نتيجة خللٍ أمنىٍّ كبير وقع منهم عن خطأٍ أو عن عمدٍ .   

و بالتالى - وبناءً على ما تقدم -  فإن اغتيال النائب العام  وفقًا للسينايو المطروح   - إذا ما رُوعيت الاحتياطات والتدابير الأمنية المتعارف عليها -  يكون غايةً فى الصعوبة بمكانٍ على أجهزة المخابرات المتطورة ، فما بالنا بالجماعات والأفراد الذين يتخفون عن أعين أجهزة الأمن التى ترصدهم ليل نهار لتفتك بهم ؟ لكن السؤال الذى يطرح نفسه ، لماذا اختيرت شخصيةٌ قضائيةٌ مثل النائب العام فى ذلك التوقيت بالذات قبيل الحراك الثوى المرتقب فى 30 يونيه الحالى ؟  هل ذلك كان لإلباس قضاة العسكر ثياب المظلومين المُعتَدى عليهم وجعلهم من الشهداء من أجل تحسين صورة القضاء فى مصر  بعد أن أضحى القضاة قتلةً ظالمين ولتبرير ما سيأتى من أعمال عنفٍ تتطلب غطاءً شرعيًّا من القضاء أم أن مدبرى ذلك الحادث يريدون أن يضعوا عقبةً تُعرقل الحراك الثورى القادم  ؟ 

#المستشارعمادأبوهاشم رئيس محكمة المنصورة الابتدائية - عضو المكتب التنفيذى لحركة قضاة من أجل مصر - عضو المجلس الثوى المصرى .