د. وصفي عاشور أبو زيد
 
أقدم وزير الأوقاف المصري الأمنجي محمد مختار جمعة على سلوك لا تنقصه الحماقة والرعونة والوقاحة والجنون والفجور حين قرر حرق – نعم حرق - كتب كل من: حسن البنا، ويوسف القرضاوي، وسيد قطب، بما فيها تفسير الظلال، ومصادرة أشرطة كل من تثبت له صلة بهذا التيار!
 
إن هذا الأسلوب هو أسلوب الأجهزة القمعية والأنظمة الديكتاتورية التي لا فكر ولا سيلة معها سوى وسيلة السلاح والدبابة والمصادرة، فهي لا تؤمن إلا بالرأي الواحد، ولا تتحرك إلا للفرد الواحد وبأمر الفرد الواحد، فالحاكم في هذه الأنظمة أمام مؤسسات الدولة وعندها، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، يتحرك كل من في قلوبهم مرض في رضائه وإن كان بسخط الله، ويتزلفون إليه وينافقونه ليأمنوا غدره وعقابه، أو يحظوا عنده بما يتزلفون إليه.
 
وحيث إن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، فإن القمعيين والاستبداديين لا فكر لهم حتى يستطيعون المواجهة أو الرد، وما "نداء الكنانة" والردود الأمنية والشخصية التي جاءت عليه عنا ببعيد، حين طالبوا – أو طالب هذا المخبر المأفون -باعتقال العلماء الموقعين على البيان، ووضع أسمائهم على قوائم الترقب في المطارات، واعتبار هيئاتهم ومؤسساتهم العلمية والدعوية مؤسسات إرهابية .. إنه فكر المصادرة، فكر المطاردة، فكر تجريف الأوطان، فكر الرأي الواحد والفرد الواحد، الذي يُؤَلِّهُ الحاكم، ويسخر كل مؤسسات الدولة في حمايته وخدمته!!.
 
إن حرق الأوقاف لكتب أجازها الأزهر من قبل أو كلف بكتابتها، مثل "الحلال والحرام للقرضاوي"، هو يدلك على مدى التسفل والانحطاط والتناقض الذي وصل إليه الأزهر نفسه الذي وقف صامتا لا يتحرك ولم ينطق بكلمة ينكر فيها هذا "الجنون" وهذا "الفجور"، فضلا عن الرعونة والإجرام الذي وصلت إليه وزارة الأوقاف في ظل صمت المؤسسات الأخرى، إن كان قد بقي في مصر مؤسسات .. 
 
لن أمدح في الإمام القرضاوي وفكره ووسطيته وكتبه التي ترجمت بلغات العالم، ولا في المفكر العملاق العبقري سيد قطب، الذي بلغ فكره المشرق والمغارب، وترجم – وفي القلب منه الظلال – إلى لغات الدنيا، ولا في الداعية المجاهد المؤرخ المفكر د. جمال عبد الهادي، ولا في الأستاذ الجامعي المرموق د. عبد الله بركات، الذين تحرق الأوقاف كتبهم في المساجد، وتصادر أشرطتهم التسجيلية اليوم بحجة أنهم "إرهابيون" أو "قطاع طرق" أو "دمويون" وغير ذلك من التهم الأمنية المعلبة المضحكة .. 
 
وإنما أقول: إن مصادرة هذا الفكر المعتدل وشيطنة أصحابه تضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما:
 
 الخيار الأول: هو نماء الفكر الإلحادي في مصر الذي يهاجم القرآن ويهاجم السنة وعلماءها ويطعن في ثوابت الإسلام، وهو في زيادة من دون مصادرة فكيف بالحرق والمصادرة؟ .. 
والخيار الثاني: هو تعزيز الفكر التكفيري والتيارات المتشددة التي تحرم ما أحل الله، وتضيق ما وسع الله، وكلا طرفي الأمور ذميم، وهو ما سيؤثر على "الأمن الفكري" أكثر، ومن ثم الأمن الاجتماعي الذي تصدع وانهار مع وقوع الانقلاب، ويضيع الناس والمجتمع أكثر مما هم ضائعون.
 
إن هذه الدعوة الآثمة وذلك القرار المجنون ليس عودة للعصور الوسطى فقط والتي صادرت فيها الكنيسة حرية العلماء وحاربت فكرهم، وإنما هو عودة لأنكى من محاكم التفتيش في بلاد الأندلس، وهي أسوأ الحقب الدموية بحق المسلمين في التاريخ .. 
 
إن أقل وصف يصدق على ما يجري في مصر الآن هو "جنون" أو "فجور" أو "عته" أو "بلاهة" أو "سماجة" ... لا أجد من كلمات القاموس اللغوي ما يقوم بالوفاء بهذه الإجراءات الرعناء البلهاء الحمقاء التي ستؤدي بمصر والمصريين إلى الخراب والدمار في نهاية الأمر، بعد كل ما جرى من دمار وخراب، فإن من قتل الإنسان، وحرَّق جثته، وجرَّفها بالجرافات كأنها أكوام قمامات، لا يستبعد عليه أن يقوم بحرق الكتب، مما يستوجب مقاومته وإسقاطه ومحاكمته، استنقاذا لما تبقى من قيم الإسلام وحضارة المسلمين.