نبيل الفولي
 
ما زال أنصار الانقلاب الدامي يلاعبون الثورة في مصر، ويلعبون بأنصارهم وخصومهم على السواء بما تخرجه جعبتهم من مفاجآت من وقت إلى آخر، وأفضل أوقاتهم للخروج بالمفاجآت هي ساعات الضغط الواقع أو المتوقع عليهم، فهنا تتفتق العقلية المخابراتية - التي دبرت الانقلاب وما زالت تديره إلى الآن - عن فكرة أو أخرى للتغطية على فشل ما، أو التشويش على جهود مزمعة أو نجاحات تحققت للثوار.
وقد جاء الحديث عن لحوم الحمير التي تُوزَّع على مطاعم مصرية بعضها ذائع الصيت قنبلة إعلامية مرسومة بمهارة، والوقت الذي "صادفته" هو جرد حساب السنة الأولى للسيسي في السلطة التي اغتصبها، وعاد بمصر خلالها إلى الوراء عقودا وعقودا من الزمن. وهذه مناسبة المفروض أنها خطيرة جدا؛ لأن الانقلاب قد سوّق نفسه من البداية بحجة الفشل المزعوم للرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي بعد عام واحد قضاه في السلطة.
كانت هناك مساعٍ أخرى للتشويش على الدعوة إلى مساءلة السيسي عما قدمه طوال العام المنصرم، ومنها: التسويق الإعلامي الواسع لقضية ضابط شرطة كبير يدير شبكة للدعارة، مع نشر بعض التفاصيل المثيرة للقضية، والتأكيد على أنه لا أحد فوق القانون!
ولا يخفى على الفطن أن كل هذه الأحداث التي تبرز فجأة على السطح ليست وليدة اليوم، ولا هي خافية على الأجهزة الأمنية التي اعتادت أن تأخذ الإتاوات لتسهيل مثل هذه التجاوزات، فقط الذي يحدث هو إبراز أشياء من القاع إلى السطح، فالبحث عن سلبيات في قاع مجتمع حكمته الديكتاتورية والفساد عقودا طويلة ليس أمرا صعبا. ويمكنك في هذا السياق أن تجد بسهولة ضباط شرطة يتاجرون في المخدرات فضلا عن تعاطيها وإدمانها، ومسئولين وأبناء مسئولين بارزين يتعاطون الهيروين والأفيون، وممثلات شهيرات يتاجرن بالأعراض، وموظفين كبارا يتعاطون الرشاوى.. إلخ!
وبالعودة إلى الاختراع الأخير للاحتفال بالعام الأول للسيسي في السلطة، أو للتشويش على من يريد أن يحاكم النظام الانقلابي على ما آلت إليه أحوال مصر والمصريين منذ الانقلاب وإلى اليوم، سنجد أن خبر (الحمير) الذي تم توظيفه في هذا الأمر يحمل كمّا كبيرا من الإثارة، ونوعُ الصدمة التي يحققها الخبر تصيب المواطن بالدوار، وتدفعه إلى أن يفكر فيما اشتملت عليه معدته من طعام، حتى وإن لم يسبق له تناول غذائه خارج بيته!
ومع أن الخبر مثير في نفسه، إلا أن التحليلات التي تناولته – وساعدتها عليه سخرية مواقع التواصل التي انساقت في هذا الطريق - أضفت عليه مزيدا من الإثارة، فهذا طبيب يطمئن المواطنين إلى أن لحوم الحمير غير ضارة، وهذا مسئول يقول إن لحوم الحمير سدت فجوة غذائية كبيرة في مصر، وهذا شيخ معمم يقول بحرمة لحوم الحمر الأهلية إلا عند الضرورة، وهذا زبون من رواد المطاعم المعتادين يقول: أظن أنني أكلت نصف حمار إلى الآن!!
وملأت الإثارة جو مصر، وصارت الحمير حديث الصغير والكبير، وأضفى الخيال الشعبي على الأمر مزيدا من التفاصيل المشوقة، وتردد أن عدد الحمير التي ضبطتها الشرطة في الفيوم تبلغ في بعض الروايات كذا وفي أخرى كذا، وأن مصر فيها مراكز معينة لهذه التجارة الكبيرة، وأن حوالي 40% أو يزيد من اللحوم التي نأكلها في المطاعم أو نشتريها من الجزارين هي لحوم حمير!!
ونسي شعب مصر "السيسي" وحسابَه الذي كان ينبغي أن يكون في هذه المناسبة عسيرا،  وأن لا تشغلهم عنه شاغلة مهما يكن حجمها؛ فأين الرخاء الذي وعد به المصريين؟! وأين المشروعات العملاقة التي قال بأنها ستنقل مصر إلى مصاف الدول الكبرى؟! وأين الرغيف النظيف والماء النقي والمواصلات المريحة، والحرية الغالية، وأين وأين وأين؟!!
إنهم شغلونا – ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا - عن عصابة الانقلابيين بالسيسي، وشغلونا عن السيسي بأخبار وفرقعات اختاروها نوعا وتوقيتا بعناية، فانشغلنا بالسيسي عن عصابة الجنرالات والضباط المتآمرة على مصر، وها نحن ننشغل بضابط داعر وبلحوم الحمير عن السيسي؛ رئيس الدعارة السياسية الأول، وقائد الاستحمار الأكبر في مصر!!
إنها سياسة يرسمها الماكرون، وتخطط لها ذئاب الليل وثعالب النهار، ولا ينبغي أن ينخدع بهم ثائر فَطِن، أو يقع في شراكهم مؤمن ذكي، ولنمض في طريقنا إلى آخره مستعينين بالله رب العالمين.