د . فتحى أبو الورد

كثيرا ما سمعنا كلمة "إدمان" بالمعنى المذموم ، واختفى استعمالها بالمعنى المحمود فى قاموسنا اليومى .
والإدمان فى اللغة يعنى الملازمة والمواظبة على فعل الشىء محمودا كان أو مذموما، وهو يعنى المداومة على فعل الشىء والتعلق به ، وعدم الاستغناء عنه ، حتى يصبح جزءا من حياة الإنسان ، لا يستطيع منه فكاكا ، ولا يرغب عنه إبعادا .
سمعنا عن الإدمان بمفهومه السلبى ، الذى يرتبط بتضييع الأوقات ، والانشغال بالتوافه من الأمور ، والوقوع تحت أسر العادة والمألوف من المباح أو المحرم ، مما يضعف الإرادة أو يسلبها .
سمعنا عن إدمان الخمر والكحوليات والبودرة والدخان ، وسمعنا عن إدمان المشروبات المنبهة مثل القهوة والشاى ، وسمعنا عن إدمان الفيس بوك حتى لا يكاد المدمن يغلقه ، ويمكث عليه الساعات الطوال ، وسمعنا عن مدمنى مشاهدة المبارايات الرياضية بأنواعها المختلفة ، ورأينا وسمعنا مدمنى الكذب من الإعلاميين الذين يغيرون وجه الحقائق ، وشاهدنا مدمنى الإساءة إلى الناس .
ولكن الذى لم نألف سماعه فى قاموس الإدمان ، هو الإدمان بمفهومه الإيجابى المثمر، الإدمان المستحب ، مثل إدمان الذكر والدعاء وصلاة وصيام التطوع ، وإدمان السعى فى الصالحات ، والسعى إلى المساجد ، والمتابعة بين العمرة والعمرة مالم يكن هناك ما هو أولى بالنفقة منها ، وما أكثر ذلك اليوم .
وقد دعت السنة إلى هذا اللون من الإدمان المستحب فى حياة المسلمين .
نجد ذلك فى مثل قول النبى الأعظم صلى الله عليه وسلم فى مسند أحمد : " لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله". وقد أخبرت أن رجلا لا يكاد لسانه يفتر عن الذكر ، يتحدث فى طلب شىء ، فما أن ينتهى حتى يلزم الذكر . وبلغنى أن امرأة من المدمنات للذكر، وهى تحت تأثير المخدر فى غرفة العمليات لم يفتر لسانها عن ذكر الله .
ومن الإدمان المستحب تلاوة القرآن ، وقد روى الترمذى عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه وهو عليه شاق ، فله أجران ".
وقد أورد الفاكهى فى أخبار مكة بابا فى (المتابعة بين الحج والعمرة) ، وروى بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر كما تنفي النار خبث الحديد "
وكان ابن عباس ينصح أحد إخوانه بقوله :" أدمن الاختلاف إلى هذا البيت–الكعبة- ، فإنك إن أدمنت الاختلاف إلى هذا البيت ، لقيت الله عز وجل خفيف الظهر ".
ومن الإدمان المشروع إدمان الاختلاف إلى المساجد ، وكثرة الخطى إليها ، مما يرفع الدرجات ويمحو الخطايا .
وقد روى الطبرانى فى المعجم الكبير عن الحسن بن علي رضي الله عنه يقول: سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أدمن الاختلاف إلى المسجد أصاب أخا مستفادا في الله عز وجل، وعلما مستطرفا، وكلمة تدعوه إلى الهدى، وكلمة تصرفه عن الردى ، ويترك الذنوب حياء أو خشية، ونعمة أو رحمة منتظرة" .
ومن الإدمان الذى ندبنا إليه صلاة أربع ركعات بعد صلاة المغرب ، فقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يصلي بين المغرب والعشاء أربع ركعات، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهن " وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: " من أدمن على أربع ركعات بعد المغرب كان كما تعقب غزوة بعد غزوة "
وكان أبو نعيم الأصبهانى يذكر عن الأولياء والأصفياء ، أن فلانا كان قد "أدمن الصوم ". يعنى صوم التطوع .
وقد كان بعضهم مدمنا للسير فى الإصلاح ، وتبليغ الدعوة حتى يعود إلى بيته فى المساء ، فيحط عليه التعب ، ويجد ألما فى قدميه .
وقد قيل : من أدمن على عمل، وأقام عليه ، أدركه الموت عليه، وكان ذلك آخر عمله .
ونحن - فى ترقب - ننتظر الشهر العظيم ، شهر رمضان المبارك، نسأله تعالى أن يجعلنا من المدمنين للطاعات ، الساعين فى الخيرات ، وأن يختم لنا على ذلك.