وليد أبو النجا

يصفونهم بالزوار، زوار رغم أنفك، زوار من النوع الذي لا تجرؤ أن تقول لهم: ارجعوا، فيرجعوا هو أزكى لهم. ولو قلت، لا يرجعون. والأولى وصفهم بالأشرار لا الزوار. وأضافوهم للفجر، والفجر بسكينته وهدوئه ونوره منهم بريء، وكان يجب أن يضافوا لليل أو للظلام، الذي يتسترون بجنحه.
يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، يتسترون كما يتستر كل مجرم بجريمته، حين تهدأ العيون، وتخف الحركة، ويأوي الناس إلى فرشهم، يخرجون مع الحشرات من شقوقها، والخفافيش من كهوفها، والحيات من جحورها، وهذه تطلب رزقها، فإذا حصلته عادت ساكنة مطمئنة، وهؤلاء لا يرتوون من دماء البشر، يشبعون بها نزواتهم الشاذة، ونفوسهم المريضة.
ينتهكون الحرمات ولا يبالون:
حرمة البيوت، فيأتونها من غير أبوابها، أو يكسرون أبوابها على أصحابها.
وحرمة النساء، فيقتحمون عليهن غرف نومهن، غير عابئين بعورة تريد صاحبتها أن تسترها.
وحرمة الأطفال وبراءتهم، فيوقظونهم مفزوعين من نومهم، ويروعونهم في بيوتهم وأمام أهليهم.
تخيل الرعب الذي يصيب الأسر الآمنة، وهم يسمعون وقع نعالهم الغليظة على الدرج، وطرقاتهم العنيفة على الأبواب، وطلقاتهم الآثمة على الأقفال، وأصواتهم المنكرة تأمر وتنهى، وكأنها رب الناس الأعلى. 
ليسوا في حاجة إلى إذن نيابة، فمعهم الأذون على بياض، يدونون فيها من الأسماء والتهم ما يشاؤون، ليسوا في حاجة إلى مضبوطات، فقد حملوها معهم من أقسامهم ومراكزهم، لا يتقيدون بنصوص دستور أو إجراءات قانون، فبنادقهم الغادرة - الموجهة إلى صدور مواطنيهم لا إلى أعدائهم - هي الدستور والقانون، ولا مجال لقول: (المتهم بريء حتى تثبت إدانته)، فهم الخصم والحكم.
لا يوقرون كبيرا، ولا يرحمون صغيرا، ولا يعرفون لعالم حقه، ولا يرقون لصراخ الأطفال، ولا لدموع الزوجة، ولا يستجيبون لمناشدات الأم وتوسلات الأب، قاتلهم الله من قساة قلوب، وغلاظ أكباد.
ليتهم زوار ثقلاء الظل مملون، يقيمون فترة ثم يرحلون.
ليتهم سُرَّاق (حرامية) يدخلون خُفية، فيأخذون ما خفَّ حمله وغلا ثمنه، من المقتنيات والأموال، ثم يرحلون خفية كما دخلوا، ولا يشعر بهم أهل البيت إلا بعد رحيلهم.
ليتهم قطاع طرق (شطَّار) يجردون الناس من أموالهم وممتلكاتهم، ثم يتركونهم يمضون إلى حال سبيلهم، فإذا ضاعت الأموال، فقد سلمت النفوس.    
إنهم صنف آخر من المجرمين، يسرقون المال، ويحطمون البيت، وينتزعون رب الأسرة من أحضان أسرته، فيأخذون معهم الأمن والطمأنينة والاستقرار.
يسوقون الأبرياء - وهم يعلمون - إلى المجهول، إلى جحيم سلخانات التعذيب، وأقبية السجون المظلمة، وزنزانات المجرمين العتيدة، ثم يزعمون أنهم لا ذنب لهم، وإنما هم عباد المأمور يقومون بالمطلوب، وينفذون الأوامر، وهم في الحقيقة عباد الشيطان لا عباد المأمور.
دخلوا على رجل فانتزعوه وأولاده من أسرتهم، وأمروهم أن يستلقوا على بطونهم، وربطوا أيديهم خلف ظهورهم كما يفعل بالمجرمين، واستيقظت ابنة الرجل فوجدت أباها وإخوتها على هذا الحال، فما كان منها من هول المفاجأة، إلا أن فعلت مثل أبيها وإخوتها!
أما مؤخرا، فلم تعد أجهزة القتل والعنف والإرهاب، المسماة زورا بأجهزة الأمن، تكتفي بالقبض على المطلوب إن وجدته، أو مغادرة المكان إن لم يجدوه، بل اعتمدوا سياسة أخذ الرهائن، الأب والأم أو الزوجة والأولاد حتى الرضع منهم، بل ربما أخذوا الأسرة كلها، كما اعتمدوا سياسة التصفية في الحال، بلا رادع من ضمير أو دين أو أخلاق.
الصور المنقولة عقب رحيلهم، كفيلة بتوضيح مقدار الشر الذي تخفيه صدورهم، يحطمون ويكسرون ويفسدون لمجرد الإفساد والخراب، لا لغرض معقول، يقلبون البيت رأسا على عقب، كما قلب قائد الانقلاب الذي أرسلهم أحوال البلد، ومشاهدة آثارهم تجعلك تتساءل: أي عاصفة مدمرة ضربت هذا المنزل البائس؟ أو أي قطيع من الثيران الهائجة مر من هنا؟ أو هل اجتاح التتار العالم من جديد؟!