بقلم - مجدي مغيرة :

هزيمة ثقيلة سماها كاهن الناصرية الأكبر محمد حسنين هيكل "نكسة" تخفيفا لوقع الكارثة على نفوس الشعب المصري.

كانت تلك الهزيمة نتيجة طبيعية لحكم الفهلوة حيث من يتولى المناصب هم الأقدر على تَمَلَّقِ الحاكم وليس الأقدر على إدارة العمل بكفاءة ، وبسبب ذلك خلت البلد من المخلصين الذين سعوا للهجرة بحثا عن كرامة مفقودة ، ولقمة عيش غير مغموسة بالذل .

 ونتيجة طبيعية للظلم الواقع على الأحرار، حيث يتم تلفيق التهم لهم ، ويتولى الإعلام الترويج لتلك التهم ، ويصفق لها المغفلون للحاكم الدكر الذي استطاع أن يقضي على مؤامراتٍ يعلم الله ألا وجودَ لها سوى في خياله و في أوهام المخدوعين ، وقد أعلى ذلك من شأن الكذابين ، ومن شأن الحاقدين الذين لا يتورعون عن الوشاية بمن لا ينزل لهم من زورٍ ، وبلغت الدناءة أن أعدموا بعض الأحرار عام 1966م ، أي قبل الهزيمة بعام ، وعقب نشرة الأخبار التي ذكرت خبر الإعدام ، أذاعوا أغنية : بسبس نو يا بسبس نو    بسبس نو الجو احلوّ .

 ونتيجة طبيعية للكذب المبالغ فيه في كل شيء ، فقد روَّج الإعلام أن عبد الناصر بنى بين كلِّ مصنعِ ومصنعٍ مصنعاً  ، وأننا قد صنعنا أسلحة قادرة على تدمير العدو ، وأن إسرائيل مرعوبة من صاروخي القاهر والظافر ، وأن العالم كله مذهول من بناء الغواصات المصرية ، بل إن مصر فاجأت العالم بصناعة قمر صناعي ، وقد اختصرت إحدى صحف الردح كل ذلك بمانشيت كبير في صدر صفحتها يقول : تقدمنا أذهل العالم .

ونتيجة طبيعية لنظام تم اختراقه من قبل العملاء والجواسيس من كل حدب وصوب ، وقد صرَّح كثير من المسؤولين بذلك بعد أن تم الاستغناء عن خدماتهم ، وبعد أن تم ركلهم بالأحذية بعد أداء الأدوار المطلوبة منهم ...صرح بذلك محمد نجيب { أول رئيس للجمهورية بعد الحكم الملكي وانقلب عليه عبد الناصر ووضعه تحت الإقامة الجبرية }  في مذكراته ، وحسين الشافعي { النائب الثاني لرئيس الجمهورية جمال عبد الناصر } في برنامج شاهد على العصر ، وغيرهم ممن كتب مذكراته ، لكن بعد فوات الأوان وبعد خراب مالطة .

ونتيجة طبيعية لمحاربة الدين والتدين ، وإحلال ثقافة دينية مزيفة محل الثقافة الدينية الأصيلة ، وقد وجدنا في تلك الفترة علماء ومشايخ يهاجمون كلَّ مخلصٍ ، وكلَّ من قال كلمة حقٍ في وجه سلطان جائر ، وصارت وظيفة هؤلاء هي التبرير للحاكم الظالم ، والتقليل من شأن كل عالمٍ عاملٍ بدينه ، وصعد منبر الجمعة كلُّ هلاس ، وكلُّ هجاص  لا يجيد سوى حكاوى وحكايات كان لها دورٌ كبيرٌ في استكانة الشعب ورضاه بالذل ، ورضاه بالعيشة المُرّة اعتقادا منه أن ليس في الإمكان أبدع ولا أحسن مما كان .

ونتيجة طبيعية لتولى الشيوعيين والعلمانيين للمناصب العليا  في وزارة الثقافة ، ووزارة التربية والتعليم ووزارة الشباب ، وقد نجح هؤلاء إلى حد كبير في توجيه عقول الشعب نحو التفاهات ، حيث انخفضت نسبة القراءة عند الشباب ، وتحولت نسبة كبيرة من القراء إلى قراءة الكتب قليلة القيمة وإلى قراءة صفحات الحوادث والجرائم وإلى قراءة الروايات التي  برعت في تشجيع الشباب على التحلل الأخلاقي والتشكيك في بقايا القيم والمبادئ .

كانت هزيمة 5 يونيو 1967م هي حصاد طبيعي لفترة حكم عاش فيها الناس على الأوهام وعلى الأحلام الوردية والوعود المزيفة  وعلى الطبل والزمر والتصفيق .

كانت حصادا طبيعيا للحقد والحسد والبغض والكراهية وكل ما هي سيء وأسوء .

كانت حصادا طبيعيا لتعاطي المخدرات من كل شكل ولون :

مخدرات الفن ،ومخدرات الإعلام ،ومخدرات الحشيش والأفيون الذي كان يتسرب للشعب من خلال رجال السلطة  وخداميها  .

كانت حصادا طبيعيا للنفاق والكذب والخداع والتدليس ،

 فهل استيقظ الشعب ؟

هل اتعظ الناس ؟