أحمد القاعود
 

عندما كان رجب طيب أردوغان يخطب أمام مئات الألاف من الأتراك المحتشدين للاحتفال بذكرى فتح القسطنطينية ويعيد للأمة جميعها أمجاد الماضي، كان عبدالفتاح السيسي مشغولا باعداد قائمة من الفنانين والفنانات ليصطحبهم معه فى زيارة متوقعة إلى ألمانيا بحثا عن شرعية مفقودة ومعطلة حتى الأن. وبقدر ما أثار أردوغان الحماسة وأعاد للأذهان عصور المجد والقوة للأمة الاسلامية، بقدر ما أثار فى النفس حزنا لتصدر زعماء عصابات المشهد فى العديد من دول العالم الاسلامي وبالأخص العربي.

تحدث سلطان تركيا الجديدة وقائد نهضتها ومنتشلها من كبوتها عن سداد ديون الدولة بالكامل والقضاء على العنصرية وتعميم المساواة بين أبناء الوطن الواحد، وانهاء الوصاية العسكرية وتدخلاتها الخيانية فى ادارة الدولة إلى الأبد. تحدث عن المظلومين فى العالم كله وكيف أن تركيا باتت حاضنة ومدافعة عنهم، فضح شخصيات معارضة تريد إعادة السوريين المهجّرين من وحشية الأسد إلى بلدهم، وأكد أن تركيا لن تسمح بعودة أو طرد لاجئ إلا بقراره الشخصي وأنها مفتوحة للجميع.

وفى تركيا كما مصر وبقية الدولة العربية، نخبة علمانية تبعد كل البعد عن الانسانية والضمير، تسعى للتغريب وطمس هوية الأمة وتسخر من تاريخها وتعوق مستقبلها، تسعى للوصول إلى الحكم بسحق المسلمين المتدينين، وتعتبر العدالة والحرية مفسدة لهذه الشعوب، وهو ما حث فى مصر بالفعل.

حاول علمانيو تركيا وأهل اليسار الدموي بها اثارة القلاقل وتصدير قضايا "تافهة" لاحداث فوضي يمكن استثمارها كما حدث فى مصر، يتم استدعاء الجيش بموجبها وانهاء الديموقراطية. لكن القيادة التركية لم تكن بمثالية القياة المصرية الوليدة فى مصر، إذ أن أردوغان القائد لم يكن يخشى من نقل صورته أو الاساءة لها فى وسائل الدعاية، بينما ينضج الانقلاب وعملية الانقضاض على ارادة الشعب أمام عينيه.

كان الفارق بين أردوغان ومرسى هو أسلوب التعاطي مع القضايا، فالاثنان لديهما تأييد شعبي كبير وواسع، وحيث استغل أردوغان هذه الميزة وكان يخاطب شعبه يوميا ويتحدث اليهم ويفضح على رؤوس الأشهاد أعداء الأمة ويتخذ بحقهم اجراءات صارمة تعوق مؤامراتهم وتقضي عليها فى مهدها، كان مرسي يتعامل بمثالية مع الأشرار وأعداء الأمة والذين شوهوا كل انجاز محترم قام به.

أردوغان الذى بنى تركيا الحديثة وأعاد إليها قيمتها وسط العالم أجمع وجعلها مرهوبة الجانب، يواجه بحملة بذاءة من قبل وسائل الدعاية التابعة للانقلاب العسكري فى مصر، هذه الوسائل التى طالما مدحت وأشادت بالتجربة التركية، قبل الانقلاب العسكري، وقارنت  مرسي بأردوغان للتدليل على عدم نجاح اخوان مصر كاخوان تركيا، تقوم الأن بحملة سوداء ضد تركيا وقيادتها لمخاطبة فئة من الشعب لا تفهم ولا تريد أن تفهم، وإذا فهمت فانها تصمت عجزا وخوفا.

ومما يدعو للأسى أن العسكر فى مصر المنكوبة، زيفوا التاريخ وشوهوا الحاضر، سرقوا الثروة والسلطة وأهانوا الشعب بجميع طوائفه، وفرضوا أمثلة فاسدة ونماذج اعتبروها مثالا يحتذى به عند قطعان مؤيديهم. بدء من مشايخ السلطان مرورا بعلماء فسدة وممثلين أفسدوا الفن وحطوا من قيمته.

يصاحب السيسي وفقا لوسائل دعاية النظام، العامة والخاصة وفد من الفنانين أبرزهم الهام شاهين ويسرا وهما ممثلتان لم يقدما فى المجمل قيمة فنية محترمة أو أعمال يمكن تخليدها كفنانين كبار تحتفي الأوطان بهم.

وهنا يجب التساؤل، كيف ينظر السيسي إلى الأمور وكيف يتعامل مع السياسة داخليا ومحليا وماهي محددات ثقافته؟!! تقول كل الدلائل أن قادة العسكر فى مصر ينتمون لتيار الثقافة الشعبية والذى يمكن وصفه بثقافة التوكتوك، تلك الثقافة الشعبوية عديمة القيمة رخيصة المحتوي، صاخبة الألوان والأصوات.

يعتقد السيسي أن ما فعله فى مصر باستدعاء الراقصات لتصدر المشهد والاحتفال بالمناسبات القومية بالحفلات الراقصة المبتذلة كما حدث فى الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر فى ميدان التحرير، واقامة ندوات تحضرها فنانات ارتبط حضورهن فى السينما بمشاهد الجنس ، يمكن تكراره فى ألمانيا، حيث يتصور منظمو الرحلة التى تأتي فى ظل رفض شعبي وبرلماني وحقوقي ألماني لزيارة قاتل ألاف المعارضين فى مصر، أنها ستجذب الاهتمام فى دولة من العالم الأول، وأن يسرا والهام شاهين سيستقبلهن ألاف المعجبين بالورود وبالتبعية قائد الانقلاب.

هذا التفكير السطحي الركيك الذى لاينم الا عن انحطاط ثقافة، وانعدام رؤية لا يأبه اذا كانت مصر الحضارة تغرق فى مستنقعات الجهل والتخلف ويعمل على النيل من أردوغان الزعيم الحقيقي من منطلق "كيد النسا"، هذا المستوى من الضحالة والتدني لا يهمه ان كانت الزيارة لعدد من شخصيات انحدار مصر تتكلف ملايين الجنيهات، كان يمكن استخدامها لعلاج ألاف المرضى الذين يلقى بهم فى اكوام القمامة، أو تستر بها مئات الأسر ممن لا مأوى لهم بعد أن سرق العسكر ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم.