حازم سعيد :

 

أكتب هذه المقالة من وحي التعليقات الكثيرة جداً التي جاءت على أربع مقالات مثيرة للضجة والنقاش والجدال في الأسبوع الماضي ، بدأت بمقالة الدكتور عبدالرحمن البر تلاها مقالة الدكتور محمود غزلان ، والتي فيها تحدث الفاضلان الجليلان عن السلمية كثابت من ثوابت دعوة الإخوان المسلمين ، ثم تبعها مقالة عصام المصري ثم مقالتي وكلتاهما تبنت موقفاً مغايراً مختلفاً ..

حرصت على قراءة كل التعليقات والتي تجاوزت ما يقرب من ثلاثمائة تعليق بعضها مطول يرتقي لمقالة وليس تعليق على مقالة .

ومن خلالها رأيت أنها تحتاج إلى مقالة أخرى لتوضيح بعض ما أشكل فهمه ، ولتأكيد بعض ما أردت توصيله ، ولتأكيد معنى تربيت عليه في الإخوان المسلمين .

 

مقام الكريمين البر وغزلان ..

أول القيم التربوية التي أردتها هنا في هذه المقالة هو رفض ما صنعه وفعله كثير من الشباب سواءاً على المقالات أو على صفحات الفيسبوك من انتهاك مقام الكريمين المحترمين ، وأنا أرفض تماماً هذا النحو وأؤكد على رفضه ، ولو أعلم أن مقالتي ستتسبب ولو عرضاً في أن يؤذي مقامهما أحد لما نشرتها ، مع أني لما كتبتها كانت سيوف النقد اللاذع قد انهالت عليهما ، فأردت أن أصحح بها وجهة وأحجم بها نزوة .

وأقول للشباب : ما هكذا تورد الإبل ، وما هكذا تربينا في الإخوان ، هناك فارق بين أن أنكر على أحد الناس أو أعارضه أو أخالفه ، أما أن أنتقصه لرأي أو لفكر ، فهذا هو الزلل والشطط .

وميزة دعوة الإخوان المسلمين هي أنها دعوة قامت على الحب والأخوة الصادقة الصافية ، وقالوا أنه لو عطس أخ في أسوان لشمته أخوه في القاهرة ، وقالوا أن الأخوة في الإخوان أصل وما عداها فرع ، وقالوا أن احترام مشايخنا وقادتنا وأساتذتنا من الدين ومن وراثة النبوة ، حتى ظن الناقدون والطاعنون أنا نقدس أساتذتنا ، وإنما نجلهم ونحترمهم .

وليس معنى أن الكريمين يتبنيان رأياً تختلف معه أن تنتقصهما أو تخوض في نياتهما أو فقههما ، وأنا شخصياً رغم أني خالفتهما تمام المخالفة ، إلا أني أقر وأعترف وأوضح أني لست ولا حتى أداني نعلهما في العلم والفقه والبصيرة .

أيها الأحباب : تربيت في الإخوان أن أخالف الفكرة أو أنقدها أو لا أعتنقها وأن أكون صريحاً وواضحاً في رفضها والدفاع عما أعتقده طالما نحن في مجال الأفكار والرؤى ، أما أن أنتقص صاحبها أو أذمه أو أقدح في نيته ، فهذا ما أبرأ إلى الله منه .

 

حازم سعيد يدعو لدعشنة الإخوان ويجرها إلى انحراف

 على نفس المنوال صنع بعض أنصار رأي الشيخين الكريمين ، حين جرحا كاتب المقال ونسبا له أنه يدعو إلى دعشنة الإخوان ، وقال بعضهم ساخراً أن فهمي أعلى من فهمي المستشار الهضيبي ، ومن فهم أفاضل أعضاء مكتب الإرشاد بالسجون كالدكتور مصطفى الغنيمي والمهندس سعد الحسيني .

وقال البعض أني أنحرف انحرافاً خطيراً لا يبتعد قيد أنملة عن التكفير ، وأنني من بقايا تنظيم القاعدة ، وأن مثل شخصي الضعيف يجر الإخوان إلى منهج مخالف للإخوان ..  الخ الخ

ولقد تعودت في الإخوان وتعلمت من دعوة الإسلام ومن السلف الصالح أن من علامات الإخلاص : استواء المدح والذم من العامة ، فأنا هنا لا أعترض حزناً على شخصي المتواضع فلست أرى لشخصي مقاماً أو حقوق .

وإنما أنا حزين على من سخر ، لماذا يا أخي نصل بفكرنا وتعاملنا لهذا المستوى حتى وإن استفزتك أفكاري فعارضها بأفكار دون أن تسخر أو تهزأ ، ربما تتسبب سخريتك أو استهزاؤك في تشبث مخالفك برأيه ( الذي تراه خاطئاً ) فتكون عوناً للشيطان عليه وعوناً لحظ نفسه عليه ، فليكن نصيبك النصح والتقويم بدلاً من السخرية والاستهزاء ، خاصة إن علم من ظاهر حاله أنه في معسكر الحق وأهله ( حتى وإن أخطأ في رأيك ) .

والله سبحانه يقول : " وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم ، إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً ) .

وقال لموسى وهارون عليهما السلام بأن يخاطبا عدوه " فرعون " بالقول اللين : " وقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى " .

هاتان قيمتان أراهما تربويتان أنصح نفسي وأنصح قارئي بالتحلي بهما وإن جاوز من يخالفك بفكره حدود المنطق والمعقول ، رد عليه أنت بالمنطق والمعقول دون تجريحه أو انتقاص مقامه أو نسيان تاريخه ( أنا هنا بالطبع أقصد المحترمين البر وغزلان ) أو إعانة الشيطان عليه وعلى نفسه .

 

عسكرة الثورة .. ودعشنة الإخوان

وأما ما فهمه البعض من أني أعسكر الثورة ، أو أدعشن الإخوان فهو من الخلل الرهيب في القراءة وفهم النصوص ، ولعل السبب في ذلك ما تعودناه من القراءة السريعة المجتزأة والتي يتسبب في جزءٍ منها كاتب المقال بتطويلها لدرجة الملل ، فلا يستطيع القارئ تجاوز فقرتين أو ثلاثة .. ولكنه قدرك أيها القارئ العزيز إن قررت القراءة لي ، هذا أسلوبي لا أستطيع تغييره .

أما عسكرة الثورة أو دعشنة الإخوان بالمعنى المنصرف لذهن القارئ لما ينشره الإعلام كممارسات وصورة ذهنية سيئة صارفة عن معنى الجهاد لداعش فلم أعنيه أو أفكر فيه ولم أقصده كذلك أبداً .

أنا كنت أرد وأقاوم فكرة سلمية الثورة المطلقة المفرطة ، كما أنكر وأرد وأقاوم فكرة أن السلمية ثابت من ثوابت الإخوان ، هذا على الجانب التنظيري الفكري . أما كيفية الواقع العملي فليس كل ما يعرف يقال ، وليس كل ما يحدث يحكى .

وأما أن السلمية ثابت من ثوابت الإخوان فهذا ما لا يمكن أبداً ، وإلا فكيف يؤسس الإمام البنا رحمه الله جهازاً خاصاً يصنع عمليات ضد الاحتلال الإنجليزي واضحة . وكيف يصنع سرايا وكتائب للمجاهدين تذهب إلى فلسطين ( لا تتعجل في ذهنك وتصورك : سأرد لك حالاً عن فكرة أنها ضد الإنجليز أو فلسطين بعد بضعة أسطر ) .

وأحد مبادئ الإخوان العظيمة هي الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا ، والإمام البنا في غير ما موضع ذكر قوة الساعد والسلاح ، ومصارحة القوم حين ينتفضون على فكرة الإسلام التي توطدت أنه سينبذ إليهم ويستخدم القوة حين لا يكون من غيرها بد .

ودعوة الإخوان المسلمين هي دعوة مستمدة من الإسلام وهي قائمة على أركانه وأصوله ومبادئه ومعانيه والتي منها كما قلت في المقالة السابقة : ( بعثت بالسيف بين يدي الساعة ) ، و ( جعل رزقي تحت ظل رمحي ) ، و ( الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة ) ، و ( نصرت بالرعب مسيرة شهر ) .

هذا تأصيل نظري واضح ينسف نسفاً نظرية وقاعدة ثبات السلمية عند الإخوان ، بغض النظر عن المستهدف من الجهاد والسيف والرمح أهو صليبي صهيوني أم ظاهره أنه من بني جلدتنا ... نظرياً لا تستطيع مع هذه النصوص أبداً كائناً من كنت أن تزعم قاعدة أو نظرية تقول : أن السلمية ثابت من ثوابت الإخوان .

وأما بالنظر للشخص المستهدف من الجهاد والسيف والرمح ، فأنا ميزت بين عموم المسلمين ، وكذلك عموم المصريين ( مسلمين ومسيحيين ) الذين لم ينبذوا إلينا ، ولم يتقدموا لنا بيد الخيانة ، ولم يقتلونا ، ولم يغتصبوا نساءنا وينتهكوا أعراضنا ، لقد ميزت بين هؤلاء وبين العسكر المحتلين المجرمين .

أنا كنت ولا زلت أعني أنه لابد للمحتل العسكري المجرم الذي ارتكب من الجرائم والموبقات ، وعوق الدعوة الإسلامية وعطلها تماماً ، ومنع وجودها في المساجد والمدارس والمستشفيات ( فلا دعوة إذن على الإطلاق ) وحارب كل الدعاة واعتقلهم وقتلهم واغتصب نساءهم واستحل أموالهم وأعراضهم وطردهم وأبعدهم .

أقول : كنت – منذ مجزرة رابعة وما تلاها - ولا زلت ، بل يترسخ الأمر مع الأيام : أعتقد أنه لابد له من أن يرى شوكة وقوة تردعه ، خاصة مع تزييفه لوعي الحاضنة الشعبية التي ظلت الدعوة تبنيها فأصبحت فصيلين : إما خائف مرتعد في بيته ، أو مخدوع بسحر الإعلام مصدق- رغم ما رآه من خير الإخوان – للزيف والباطل في حقهم ( وإما – وهو الفصيل القليل جداً : ثائر بلا قوة ولا شوكة بالشوارع يقتل بالرصاص الحي ) .

ومع الانقضاض على التجربة الديمقراطية التي لم يكن لها شوكة أو قوة تحميها ( كالحرس الثوري في إيران ) ، ومع منع كل مظاهر الاحتجاج السلمي والتعرض لها بالرصاص الحي والاعتقال والقتل .

هل يعني هذا عسكرة الثورة ؟ وأن تقف مصطفاً كجيش في مقابل جيش ؟ لا يمكن لي وبرأسي عقل أن أفكر في ذلك أبداً ، فليس هناك أي تكافؤ في الفرص ، ولا القوة لا المقومات ولا طبيعة الأرض ولا التكوين الاجتماعي ولا .. ولا ...

 إنما أن تنهك خصمك وتقتص من عين مجرمه المغتصب أو القاتل الذي تيقنت بأنه بعينه قتل أو اغتصب ، وأن تربك خصمك بتدمير آليات يحاربك بها ويقتلك بها فهذا ما لا أظن عاقلاً يقول أنه خروج عن ما يطلقون عليه ( السلمية المبدعة الموجعة ) وأنا أطلق عليه الشوكة والقوة . ولا أظن أيضاً عاقلاً يفكر أن الثورة مع مثل هذه العصابة المجرمة التي تحكمت في كل آلة القوة أن تنتصر بدون قوة رادعة ، نعم .. لابد للثورة من شوكة وقوة وقدرة على ردع الخصم وإنهاكه بما يعطل أدواته التي يقتلك بها ( من معدات وآلات وأشخاص " تيقنت وتعينت وتأكدت وتوثقت جرائمهم وجناياتهم الموجبة للقصاص " ) .

 

وأعدوا

وشعارنا نحن الإخوان المسلمين هو : " وأعدوا " وتحت المصحف سيفان ، فلماذا اتخذته الدعوة والجماعة شعاراً وهيئة ؟ ما قيمة السيف بجوار المصحف يا كل من تقولون أن السلمية ثابت ، أو تنكرون على كاتب المقالة أنه يطالب بإعداد العدة ، بضوابط شرعية ودعوية ومصلحية واضحة ؟! إنها إشارة إلى قوة الساعد والسلاح التي تحمي الحق وتردع منتهكيه .

أولسنا نعاني من آثار عدم الإعداد . لقد قاست المخابرات الصليبية والصهيونية قوة إعدادنا في واقعة المقطم ، ولما رأوا أن آخرنا هو ( مجموعة رجالة واقفين بالنبابيت ) دشنوا وأطلقوا العنان لمرحلة الانقلاب والتي تلت واقعة المقطم وشهدت حرق دور ومنازل ومحلات الإخوان والاعتداء عليهم ثم تلاها الاتحادية وشهداء الإخوان ، ثم بعدها الانقلاب العسكري ، حين تيقن أنه لا شوكة لك ولا قوة تدافع بها عن رئيسك المنتخب ، ما فائدة العصبة إذن والعشيرة التي طالما ناضلت عن اختيار الرئيس مرسي وقلت أنها ضابط شرعي لاختياره ، أن له عصبة تحميه وتمنعه وتنصره ، كيف النصرة إذن بدون إعداد ؟؟؟؟؟!

 

الثورة بدون قوة وشوكة

إن الثورة بدون قوة وشوكة كالذي يقف يهتف يشتم خصمه الجبار العتيد صاحب العضلات وهو مريض بالشلل الرعاش يكاد خصمه ينفخ فيه فيطير أمامه .

ولا تحدثني عن حاضنة شعبية أو اصطفاف شعبي سيدعمك أو يساندك ، فالشعب مغيب ضائع تائه ، ومن ينزل معك ولو بالملايين يواجه الآن بالرصاص الحي والمعتقلات .

الثورة بدون قوة تحميها وشوكة تردع خصمك فلا قيمة لها ولا وزن ، ولو لم ينصرها الله سبحانه بمعجزة فلن تنتصر وإن طالت مئات السنوات ، وسل الثورة الإيرانية عن الحرس الثوري ، وسل الجيش الأيرلندي عن إنهاكه للمحتل الإنجليزي يجيبك ..

العسكر المصريون القائمون الآن بقتلنا هم والشرطة الآثمة ليسوا بنو قومنا أو من جلدتنا ، ومن يجلس على أريكته ينظر ويقرأ وهو آمن مطمئن فليعد إلى مصرنا وليجرب عيشة الطرد والإبعاد والتعامل مع العسكر والشرطة في الشوارع سيعرف مثلما نعرف ، وسيغير من استراتيجية مواجهة العسكر المحتلين ( دون أن يخرج عن ضوابط الشرع ، ودون أن يقع في الدماء ويستسهل سفكها ، ودون أن يغير أو يبدل منهج الإخوان السلمي في التعامل مع المسالمين ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ) لكنه سيسعى وبلا شك ولا ريب ولا مداراة إلى تكوين شوكة تنهك هذا المحتل وتربكه وتوقف بغيه وعدوانه ... هذا ما أرمي إليه ، والله بصير بالعباد .

 

الحفاظ على كيان الدعوة

وأما حجة أو ذريعة الحفاظ على كيان الدعوة ولملمة شملها ، فعن أي دعوة يتحدث الفضلاء المكارم ؟ عن هذه التي قتل أصحابها في رابعة ويرزحون الآن بمئات الآلاف في السجون ، ويقتلون يومياً في الشوارع ،  ويغتصبون – رجالاً ونساءاً - في السجون وفي أماكن أمن الدولة والأمن المركزي  ؟ .

أيها الأفاضل : عندنا بعض المدن أو القرى لا يجرى فيها أي فعاليات ثورية على الإطلاق ، ويتندر أهلها الصالحون عليها بأنها " تل أبيب مصر "  ، ورغم ذلك هي أكثر من يعتقل فيها أفراد من الإخوان ، الذين هم عماد الدعوة التي تريدون الحفاظ على كيانها ولملمة شملها .

أيها الأحباب : إن الحكم على شئ فرع عن تصوره . لا يوجد مساجد ولا مستشفيات ولا مدارس يمكنك فيها أن تمارس دعوة الإخوان الشاملة  ، كل ذلك صادره العسكر المحتلون ، وليس هناك إمكانية الكلام عن قال الله وقال الرسول بفهم الإسلام الشامل ، والعيش في وسط هذا البلد الآن هو بفقه المستضعفين أو بفقه الثائرين  المجاهدين الكرماء الأحرار .. فاللهم أحينا على الحق والجهاد وأمتنا على الشهادة في سبيلك .