أحمد القاعود

تتكرر العبر واحدة تلو الأخرى فى منطقة العرب المنكوبة، ولا يتعظ الطغاة، ولا يسعى أحدهم للاعتبار. هذه الأيام تتهاوى المدينة تلو المدينة والحاجز تلو الحاجز والمعبر تلو الأخر ويضيق الخناق على بشار الأسد، ومع ذلك يمضي فى طريقه طاغية مصر ولا يتعظ.

كانت الثورة السورية قبل أربع سنوات حدثا فارقا فى مسار ثورات الربيع العربي التى انتقلت عبر الدول والحدود لتكسر حدود افتراضية صنعتها القوى الكبرى قبل قرن من الزمان، إذ بعد ان أطاحت الثورات بأنظمة ديكتاتورية قبعت على سدد الحكم لسنوات، اصطدمت بوحشية الأسد ومن خلفه أهداف اقليمة ودولية جعلت الربيع العربي يتعثر فى بلاد الشام.

هذا التعثر، كان مشجعا لأنصار القوى القديمة وأعداء الحرية فى الوطن العربي لتجميع الطاقات وشن خريف مضاد لهذا الربيع الوليد، وأمام ارهاب الأسد بدأ الأخرون يستعدون لنشر ارهابهم فى بلدان أخرى، منكوبة على رأسها مصر والعراق وليبيا ومؤخرا اليمن.

تقول قواعد التاريخ أن حاكما لم ينتصر على شعبه، وأن الأيام دول، والأن يقترب ثوار سوريا من الحسم فى الثورة المعضلة بين ثوارات العرب. تتداعى قوات الأسد فى غير ناحية وأكثر من مكان، ورغم بقاء العاصمة والساحل فى قبضة النظام، فان الخريطة تتغير. فتنظيم الدولة الاسلامية وحده بات يسيطر على 50 % من الأراضي السورية، حتى ولو كان معظمها صحاري، بالاضافة إلى كافة موارد النفط والغاز فى الدولة. بينما يتقاسم النصف الأخر النظام والثوار الذين بدأت تحالفاتهم والتغييرات الاستراتيجية التى يقومون بها حاليا فى أن تؤتي أكلها على الأرض.

خلال أربع سنوات ارتكب الأسد فظائع بحق الانسانية، لم تجد من يتصدى لها، واهتمت القوى الكبرى فى العالم بنزع أسلحته الكيماوية فى تواطئ ضمني بينها لحماية اسرائيل منها مستقبلا وخشيتهم من صاحب السلطة الجديد الذى سيسيطر بالضرورة على مثل هذه الأسلحة.

وبناء على رؤى ومصالح استخباراتية، ليس الانسان السوري بينها، قررت الولايات المتحدة التهديد بشن عمل عسكري ضد النظام، أجبره سريعا على تسليم سلاحه الكيماوي، اتضح بعده أن أميركا ليست جادة فى وقف السفاح عن عمليات القتل وتدمير وطن عربي كبير، وانما غرضها من كل مايحدث اعادة تشكيل وصياغىة جديدة للمنطقة عن طريق السماح بتدمير الجيوش التقليدية والسماح بظهور قوى جديدة.

تبدو عملية الصياغة والتشكيل الجديدة أنها خارج السيطرة، وغير مأمونة العواقب، ففي العراق بعد الاحتلال الأميريكي أصبحت هناك قوتان على أساس طائفي هما الدولة الاسلامية السنيّة والحشد الشعبي الشيعية، ولم تعد الدولة الرسمية التى أعلنها الاحتلال بلا تأثير الا على أمور شكلية، ولاتستطيع فى يوم من الأيام التخلص من الجيش الطائفي الذى أنشئ بفتاوي دينية، وأصبح أقوى من الجيش النظامي نفسه والمبني على أسس طائفية أيضا. وتؤكد كل القراءات أنه لولا التدخل الغربي وانشاء تحالف جوي، لسقطت العراق جميعا فى يد تنظيم الدولة قبل شهور. وفى سوريا الأمر نفسه، وأصبح مايعتقد أنه مدروس، خارج السيطرة.

استئساد بشار على شعبه دفع العسكر فى مصر لتكرار السيناريو، مدفوعين بتواطئ غربي ورغبة عالمية فى ابعاد التيارات الدينية التى تنتهج فكرة الصحوة الاسلامية كجماعة الاخوان المسلمين عن السلطة. فسارع الحكم العسكري وأنصار النظام المخلوع بترويج أن مايحدث فى سوريا هي حرب ضد الدولة لاغراقها فى الفوضي، وبعد أن كان هناك تأخي، كما هو التاريخ، بين ثورة مصر وسوريا، أصبحت الدعاية لنظام الأسد وعمليات القتل والترويع هي الأساس فى نقل الأحدث.

تشجع العسكر فى مصر على عملية ابادة واسعة للمصريين فى الميادين فى وضح النهار وأمام شاشات التلفزة، بعدما رأوا الصمت المخزي الدولي ازاء ما يرتكبون من فظائع، وأعطى لهم استمرار بشار ولو مؤقتا فى عمليات التعذيب والتنكيل والابادة، مبررا لتصعيد عملياتهم الوحشية ضد المصريين، تارة بالقتل والقنص فى الشوارع، وبالقتل والتعذيب فى المعتقلات ومؤخرا التصفية المباشرة فى المنازل.

قرب الحسم ضد بشار أيا كان وريثه على أرض سوريا سيمثل ارتداد تجاه الطغاة العرب الذين اعتقدوا أن انتصاره على شعبه سيمثل نهاية أحلام الشعوب ويقضي على تطلعهم للديموقراطية، وسيعد دفعة للأمام للشعوب المقهورة خاصة فى مصر و ليبيا، لسحق أنظمة الثورات المضادة التى عادت برعاية اقليمية ودولية.